رهبنته وُلد ببلدة الكشح مركز البلينا من أبوين بارين سمياه سيداروس، ألحقاه في طفولته بكُتّاب البلدة التابع للكنيسة وكان بطبيعته ميّالاً إلى الوحدة والتأمل والصلاة والصوم. ولما بلغ التاسعة عشر من عمره استأذن والديه وقصد إلى دير كوكب البرية حيث ترهبن باسمه الأصلي.
في الدير لم يكتفِ بالسهر والتقشف والتعبد بل انضم إلى المدرسة التي كان قد أنشأها البابا كيرلس الخامس هناك، وقضى في الدير سبع سنوات تعلم فيها الفضائل المسيحية من محبة وتواضع. خدمته في أورشليم والصعيد ولما كان رهبان دير الأنبا أنطونيوس مسئولين عن الخدمة في الأراضي المقدسة رسمه رئيس الدير قمصًا وأرسله إلى أورشليم. تفانى في الخدمة حتى اعتلَّت صحته، فأشفق عليه المطران الأورشليمي وأعاده إلى ديره ليستعيد صحته. ما أن تعافى حتى قرر رئيس الدير إرساله إلى مدينة بهجورة بالصعيد حيث كان بها حقول مملوكة للدير، فكان يرعى الشعب بالمدينة وأيضًا يهتم بتحصيل المال وإرساله إلى اخوته الرهبان. وكانت للمدينة كنيسة باسم السيدة العذراء على سطحها غرفة متواضعة عاش فيها مكرسًا نفسه للعمل الموضوع عليه، وقد منحه الله مواهب شفاء المرضى والسلطان على الوحوش، كما منحه الشفافية الروحية. كيرلس مطران إثيوبيا في سنة 1929م أرسل الإثيوبيون وفدًا طالبين من البابا يوأنس التاسع عشر أن يرسم لهم مطرانًا، فقرر البابا أن خير من يصلح لهذه الكرامة هو القمص سيداروس الأنطوني، فأرسل وفدًا إلى بهجورة ليصحبه إلى القاهرة، فأخذ هذا العابد القانع يبكي ويستعطف أعضاء الوفد بأن يتركوه، ولكنهم لم يستطيعوا إلا تنفيذ رغبة البابا. وكان البابا يعرف اتجاهات القمص سيداروس فما أن وصل حتى رفع الصليب فوق رأسه لساعته وصلى الصلوات التمهيدية للرسامة، وبهذا وضع القمص تحت الضرورة وأطلق عليه اسم كيرلس. لما سافر الأنبا كيرلس مع الوفد الإثيوبي بدأ أعماله الرعوية بمسح الملك تفري إمبراطورًا على كل إثيوبيا باسم الإمبراطور هيلاسلاسي، ثم قضى السنوات ما بين سنة 1930 - 1935م في افتقاد شعبه والتنقل بين مختلف المقاطعات، فكانت هذه السنوات فترة سلام بنَّاء.
محاولات ضمه إلى بابا روما استولى الإيطاليون على إثيوبيا في مايو سنة 1936م، واضطر هيلاسلاسي وعائلته وغالبية الأمراء إلى الهروب من بلادهم ورجا الإمبراطور من المطران أن يظل في أديس أبابا ليعطي الشعب المنكسر شيئًا من الطمأنينة، فبقى في مكانه. حكم الإيطاليون على الطريقة الرومانية القديمة، فعذبوا وشردوا وقتلوا بلا شفقة، وأراد القائد الإيطالي جرازياني أن يجعل الأنبا كيرلس ينضم إلى بابا روما فبدأ بالوعود العالمية البراقة، ولما لم تؤثر فيه هدده بالقتل. فأجابه المطران: "لك مطلق السلطة على هذا الجسد الفاني أما روحي فملك السيد المسيح إلهي ولن يمكنك الوصول إليها أبدًا". من روما إلى مصر أقام القائد استعراضًا عسكريًا ضخمًا بهدف إدخال الرهبة في القلوب، ولكن الإثيوبيين ردوا على هذا الاستعراض بإلقاء القنابل اليدوية على كبار الحاضرين، أصابت إحدى شظاياها الأنبا كيرلس واضطرته للبقاء في المستشفى عدة أسابيع. ولما خرج من المستشفى احتج القائد وأعوانه بوجوب علاجه في روما، وبالفعل حكموا عليه بالسفر وهناك عاودوا محاولاتهم في دفعه إلى الخروج عن الكنيسة القبطية والانضمام إلى كنيستهم. ولما فشلت كل جهودهم منعوه من العودة إلى أديس أبابا واضطروه إلى العودة إلى مصر، فعاش من سنة 1936 - 1942م في شقة في مهمشة إلى جوار مبنى الإكليريكية القديمة. انهزم الإيطاليين سنة 1942م في الحرب العالمية الثانية واضطروا إلى مغادرة إثيوبيا، فعاد هيلاسلاسي هو وأمرائه وعائلاتهم، وحالما استقر في عاصمته أرسل وفدًا على طائرة خاصة طالبًا عودة الأنبا كيرلس، فعاد معزّزًا مكرمًا. إلا أن صحته كانت قد ساءت إلى حد اضطر معه أن يعود إلى القاهرة بعد سنتين، وتحمل المرض بالصبر والصمت. نياحته وفي الأسبوع الأخير من حياته نقله أحباؤه إلى المستشفى القبطي ليكون تحت العلاج المباشر، وهناك أسلم روحه الوديعة في يدي الآب السماوي.
|