قنشرين - العظيم في الشهداء جاورجيوس اللابس الظفر Head

 

 

الاسم :العظيم في الشهداء جاورجيوس اللابس الظفر الولادة: 280 الوفاة: 303 القرن: القرن الثالث
 

ولد القديس جاورجيوس (ومعنى اسمه الحارث) في مدينة اللد في فلسطين سنة (280م ) من أبوين مسيحيين (أب كبادوكي الوطن وأم فلسطينية ) كانا من أصحاب الغنى و الشهرة الاجتماعية، دخل في سلك الجندية و هو في السابعة عشرة من عمره , فشاهده الإمبراطور ديوكليسيانوس يوماً ممتطياً صهوة جواده عالي القامة بهي الطلعة فاستدعاه وكلمه فأحبه وادخله في فرقة الحرس الملكي ورقاه وجعله قائد ألف . اشتهر في الحروب بانتصاراته حتى لقب "باللابس الظفر". و لما بدأ الإمبراطور يضطهد المسيحيين و يعذبهم و أصدر أوامره بإجبار المسيحيين على عبادة الأوثان و من رفض منهم يقتل على الفور. غضب جاورجيوس و دخل على الإمبراطور، و جاهر بمسيحيته و دافع بحماسة عن المسيحيين و معتقداتهم , لأنه ليس لهؤلاء المسيحيين أي ذنب سوى أنهم يعبدون الإله الحق.. حاول الإمبراطور أن يثنيه عن عقيدته المسيحية، بالوعود الخلابة و الترقية إلي أعلى الرتب و بإغداق الأموال عليه، لكنه رفض كل هذا في إلحاح و حزم. غضب الإمبراطور و أمر الجند بتعذيبه فاقتادوه إلي سجن مظلم و أخذوا ينكلون به فأوثقوا رجليه بالحبال ووضعوا على صدره حجراً ضخماً و ظلوا يضربونه بالسياط و الحراب حتى أفقدوه وعيه و تركوه مطروحاً، أما هو فكان يصلي و في اليوم التالي اقتادوه إلي الإمبراطور آملين أن تكون تلك العذابات قد كبحت جماح حماسته فظهر أكثر شدة و صلابة و أكثر جرأة فأمر الملك بإعادة تعذيبه فوضع على دولاب كله مسامير ثم أدير الدولاب بعنف فتمزق جسده و تشوه وجهه و خرجت الدماء كالينابيع من كل أعضائه، و لكنه احتمل ذلك بصبر عجيب و سمع صوتاً سماوياً يقول له: " يا جاورجيوس، لا تخف لأني معك" فتشددت عزيمته و خرج من تلك الآله الجهنمية و كأن لم يحدث شيء و قد شفيت جراحه و إنقطع سيل الدم منه فأخذوه إلي الإمبراطور، فما إن رآه حتى تولاه الذهول إذ وجده سليم الجسم كامل القوة، فحنق عليه الإمبراطور و أمر جنوده بإعادته إلي السجن و أن يذيقوه ألواناً أخرى من التعذيب فأعادوه و ضربوه بالسياط حتى تناثر لحمه، و صبوا على جسده جيراً حياً و سكبوا عليه مزيجاً من القطران و محلول الكبريت على جراحه كي يتآكل جسمه و يذوب، فراح يعاني معاناة فوق طاقة البشر، و لكن السيد المسيح أعانه على احتمال أهوال تلك العذابات و ظل حياً، و في صباح اليوم التالي دخل الجنود عليه و لما فتحوا باب السجن، رأوا القديس قائماً يصلي ووجهه يضئ كالشمس دون أي أثر للتعذيب، فأخذوه إلي الإمبراطور الذي لما رآه أتهمه بالسحر و أحضر له ساحراً ماهراً اشتهر بقدرته على أعمال السحر، وضع له في كأس ماء عقاقير مهلكة تقتل من يشربها على الفور، و قرأ عليها بعض التعاويذ الشيطانية و طلب من القديس أن يشربه، فأخذها القديس و رسم عليها إشارة الصليب و شربها، فلم ينله أي مركوه و ظل منتصباً باسماً، ثم أخذ الساحر كأساً ثانية و ملأها بسموم شديدة المفعول وقرأ عليها تعاويذ شيطانية أشد شراً من السابقة و طلب تقييد القديس لكي لا يرسم علامة الصليب على الكأس كما فعل في المرة السابقة. و لكن القديس بسبب إيمانه بقوة الصليب، راح يحرك رأسه إلي أعلى، ثم إلي أسفل، ثم إلي اليسار، ثم إلي اليمين قائلاً في كل مرة"هل أِرب الكأس من هنا، أم من هن، أم من هنا، أم من هنا" و بذلك رسم علامة الصليب بأن أحنى رأسه في الجهات الأربع، ثم شرب الكأس فلم ينله أي ضرر على الإطلاق، و كان ذلك مصداقاً لقول السيد المسيح له المجد"هذه الآيات تتبع المؤمنين...... يحملون حيات و إن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم " (مر16: 17، 18) وحين يئس الإمبراطور من إجبار جاورجيوس على إنكار السيد المسيح أمر بصنع عجلة كبيرة فيها مناجل و أطواق و سيوف حادة و أمر جنوده بأن يضعوا جاورجيوس بداخلها و يديرونها فتحطمه و لما رأي القديس هذه العجلة الرهيبة صلي إلي الرب أن ينقذه من هذه التجربة القاسية، وضعوه في الجهاز الرهيب فانسحقت عظامه و تناثر لحمه و انفصلت كل أعضاء جسمه حتى أصبح كتلة متداخلة، عندها صاح الإمبراطور مخاطباً رجال مجلسه قائلاً : أين الآن إله جاورجيوس؟ لماذا لم يأت و يخلصه من يدي؟ ثم أمر جنوده بإلقاء أشلاء جاورجيوس في جب عميق بحيث لا يمكن أن يصل إليه أنصاره، و في الليل نزل السيد المسيح مع ملائكته إلي الجب و أقام القديس من الموت و أعاده إلي الحياة سليم الجسم، و في الصباح دخل إلي الإمبراطور و أعوانه فذهلوا جميعاً و قال الإمبراطور: هل هذا هو جاورجيوس أم شخص آخر يشبهه؟ فأنبه الأمير أناطوليس على جحوده و ظلام قلبه و أعلن إيمانه هو و جميع جنوده بالرب يسوع المسيح، فغضب الإمبراطور و أمر بقتلهم جميعاً فماتوا شهداء. بعد أن فشلت كل محاولات الإمبراطور مع القديس لينكر عقيدته دعاه و أخذ يلاطفه و يتملقه بالوعود الأخاذة لكي يثنيه عن عزمه و يحمله على الرجوع عن إيمانه، فتظاهر القديس جاورجيوس هذه المرة بأنه سيعود إلي عبادة الأوثان و طلب إلي الإمبراطور أن يسمح له بالذهاب إلي معبد الأوثان و يرى الآلهة ففرح الإمبراطور و أراد أن يكو ن هذا باحتفال علني فجمع قواده و عظماء بلاطه و جمهور الشعب ليحضروا تقديم القربان للآله "أبولون" من يد جاورجيوس، و عندما حضر جاورجيوس تقدم إلي تمثال "أبولون" و رسم على نفسه إشارة الصليب و خاطب الصنم قائلاً له:" أتريد أن أقدم لك الذبائح كانك إله السماء و الأرض"؟ فخرج صوت من أحشاء الصنم يقول:"إنني لست إلهاً، بل الإله الذي تعبده أنت يا جاورجيوس هو الإله الحق" و في الحال سقط ذلك الصنم على الأرض و سقطت معه سائر الأصنام فتحطمت جميعها، فأمر الإمبراطور بقطع رأسه وكان ذلك في سنة ( 303م ) , بعد أن تم تعذيبه لمدة سبعة سنوات!!! تحوَّل خلالها الكثيرين إلى المسيحية بسبب المعجزات التي شاهدوها , فطار صيت استشهاده الرائع و جرأته النادرة في كل أرجاء الإمبراطورية و لذلك يدعى "العظيم في الشهداء" و منذ ذلك اليوم أخذ اسمه يتعاظم في كل البلاد شرقاً و غرباً و كثرت عجائبه حتى قامت الشعوب و الأفراد تتسابق في إكرامه و طلب شفاعته و تشييد الكنائس على اسمه و تسمية أبنائهم باسمه و هو من أقرب القديسين إلي عواطف المؤمنين. و صوره الرسامون بصورة فارس مغوار، جميل الطلعة، عالي القامة، يطعن برمحه تنيناً هائلاً و يدوسه بسنابك حصانه و يخلص ابنه الملك من براثن التنين، و ترى تلك الأميرة واقفة مرتعدة من التنين و أبواها يشرفان عليها من فوق الأسوار و يمجدان بطولة جاورجيوس. هذه الصورة رمزية و معناها أن جاورجيوس الفارس البطل و الشهيد العظيم قد انتصر على الشيطان الممثل بالتنين و هدأ روع الكنيسة الممثلة بابنة الملك.
نقل جسده الطاهر من مكان استشهاده إلي مدينة اللد في فلسطين، ووضع في الكنيسة التي بنيت على إسمه هناك.
وقد شيدت على اسمه كنائس ومذابح في جميع الأقطار. واتخذته بريطانيا شفيعا لها. ودعي كثير من ملوكها باسمه. ويكرمه الإنكليز إكراماً عظيماً. وامتازت فرنسا أيضا بتكريمه. واتخذته جمهورية جنوا في ايطاليا شفيعها الأول والأكبر. وجمهورية البندقية أنشأت فرقة رهبانية عسكرية على اسمه .

من أبرز قدّيسي كنيسة المسيح وأكثرهم شيوعاً في إكرام العامّة من المؤمنين. في الأودية السابعة من قانون السّحر نرتّل له: "أيها الشّهيد إنّ اسمك العجيب يُشاد به في كلّ الأرض، لأنّه لا يوجد بَرّ ولا بحر ولا مدينة ولا قفر إلاّ وتتدفّق فيه، بالحقيقة، مجاري عجائبك الغزيرة". يتخذ المؤمنون اسمه أكثر، فيما يبدو، من اسم آخر. وقد اعتادت الكنيسة، هنا وثمّة، على تسمية العديد من الكنائس باسمه، منذ القرن الرّابع الميلادي. كنيسة القدّيس جاورجيوس، في تسالونيكية مثلاً، تعود، في نظر الدارسين إلى تلك الفترة. إلى ذلك يُستفاد من النقوش القديمة اقتران اسمه بالعديد من الكنائس الخربة في سوريا وبلاد ما بين النهرين ومصر. ويبدو أن مركز إكرامه، منذ القديم، كان اللدّ (ديوسبوليس). فهناك عدد من الرحّالة المبكّرين، من الذين حجّوا إلى الأرض المقدّسة، بين القرنين السادس والثامن للميلاد، يذكرون اللدّ باعتبارها مقام القدّيس وموضع استراحة رفاته. الراهب دانيال الكييفي، في مطلع القرن الثاني عشر، أشار إلى كنيسة كبيرة في اللدّ حملت اسم القدّيس جاورجيوس. ويوحنا فوقا الكريتي وصف تلك الكنيسة، في حدود العام 1185م بأنها "عظيمة جداً" وأنها مستطيلة الشكل وبإمكان المرء أن يرى فوهة ضريح القدّيس، تحت المائدة المقدّسة فيها، مغطّاة بالمرمر الأبيض. وإلى اللدّ كانت للقدّيس جاورجيوس مكانة مرموقة في حوران حيث أكثر الكنائس يحمل اسمه إلى اليوم. أبرز الموجود وأقدمه، هناك، كنيسة القدّيس جاورجيوس في إذرع العائدة إلى العام 512م والتي لا تزال قائمة. في هذه الكنيسة، وراء الهيكل، ينتصب ضريح لا يعرف المؤمنون عنه سوى أنه للقدّيس جاورجيوس. المخطوط السينائي 402، من القرن الثالث عشر، ينقل تقليداً كان متداولاً، أقلّه في القرن العاشر، يفيد بأن القدّيس جاورجيوس استُشهد في حوران. هناك، في مكان لا يحدّده المخطوط تماماً، اكتُشف جسده بصورة عجائبية. وقيل إن عمامته ومنطقته استُودعتا حوران فيما نُقل جسده إلى اللدّ. وكاتب المخطوط يقول عن العمامة والمنطقة إنه "ما أحد يقصدها وبه وجع إلاّ شُفي". فهل يكون ما ضمّه الضريح في كنيسة إذرع هو العمامة والمنطقة؟ ليس هذا بمستبعد!
من جهة أخرى، كانت للقدّيس، في القسطنطينية، قديماً خمس أو ست كنائس ورد أن أقدمها بناه الأمبراطور قسطنطين الكبير. وإلى قسطنطين، أيضاً، ينسبون بناء كنيسة اللدّ، في تلك الفترة عينها. كذلك شيّد الإمبراطور البيزنطي يوستينيانوس الأول (483- 565م) كنيسة لشهيد المسيح في مكان ما من أرمينيا الصغرى. الأمبراطور موريق، أيضاً، بنى واحدة في القسطنطينية في أواخر القرن السادس الميلادي. وفي سيرة القدّيس ثيودوروس السيقي (22 نيسان) ذكر لكنيسة صغيرة باسم القدّيس جاورجيوس كانت مركزاً لحياته النسكية. القدّيس جاورجيوس، في هذه السيرة, يلعب دور المحتضن للقدّيس ثيودوروس. يذكر أن هذا الأخير رقد في حدود العام 613م.
في الغرب يفيد القدّيس غريغوريوس التوري بأن إكرام القدّيس جاورجيوس كان ذائعاً في فرنسا في القرن السادس الميلادي. كما أن البابا غريغوريوس الكبير (540- 604م) أمر بترميم كنيسة قديمة حملت اسم القدّيس، وعملت القدّيسة كلوتيدس، زوجة كلوفيس، أول ملوك فرنسا المسيحيّين، على تشييد هياكل عدّة حملت اسم شهيد المسيح.
هذا وقد اتّخذت بلدان أو مدن كثيرة، في الشرق والغرب، القدّيس جاورجيوس شفيعاً لها. مثال ذلك بلاد الإنكليز والبرتغال وألمانيا وجنوا والبندقية وجيورجيا والروسيا. فرق الكشّافة، بعامة، اعتادت أن تستجير به وكذلك العسكر، والخيّالة بخاصة، والمزارعون والمبتلون بالطاعون والبرص والأمراض الزهرية والجلدية وسواها.
في الروسيا عزّز القديس فلاديمير إكرام جاورجيوس في كل البلاد وبنى مدينة يوري، والاسم تصغير جاورجيوس، وكذلك ديراً في نوفغورد وكنيسة في كييف. يوري دولغوروكي (+1157م)، مؤسّس مدينة موسكو، تابع بناء الأديرة والكنائس على اسم القدّيس. وأضحى رسم جاورجيوس وهو يقتل التّنين، شعاراً للقوّات المسلّحة، منذ القرن الرابع عشر. والإيبيريون أي سكان "غروزيا" غيّروا اسم بلادهم وجعلوه "جيورجيا" أي "أرض القدّيس جاورجيوس".
رغم كل ذلك، رغم الحيويّة التي تمتّع بها ذكر القدّيس في كل مكان وزمان، في كنيسة المسيح، فإن أكثر ما نُقل عنه، في سيرته، ينتمي إلى أزمنة متأخرة. في وثيقة تعرف بـ "De Libris recipiendis" تنسب إلى أسقف رومية جيلاسيوس، وتُردّ إلى حوالي العام 495م، يُشار إلى أخبار عن القدّيس جاورجيوس غير مثبتة ويُحصى فيها القدّيس في عداد "الذين أسماؤهم مكرّمة، عن حق، بين الناس، لكن أعمالهم لا يعرفها أحد غير الله".
بالنسبة لأقدم النتف التاريخية عنه ثمّة من يدّعي أن الشهيد الذي ذكره أفسافيوس القيصري في مؤلَّّفه عن تاريخ الكنيسة، الكتاب الثامن، الفصل الخامس، والذي لم يُسمِّه هو إيّاه القدّيس جاورجيوس. لاكسانيتوس أيضاً يذكر الخبر إيّاه الذي ذكره أفسافيوس في كتاب عنوانه "موت المضطهِدين". لاكسانتيوس رقد في العام 320م. ماذا جاء في تاريخ أفسافيوس؟ "حالما أُذيع الأمر الملكي ضدّ الكنائس في نيقوميذية، تقدّم شخص معيّن، لم يكن خامل الذكر، بل ذا مركز رفيع، حرّكته الغيرة الإلهية واشتعلت فيه نيران الإيمان، وأمسك بالأمر الملكي إذ كان معلَّّقاً علانية، ومزّقه إرباً كشيء دنس وقح. وقد تم هذا إذ كان اثنان من الملوك في نفس المدينة. كان الأول أكبر الجميع سناً واحتلّ الثاني رابع مكان في الحكم بعده. على أن هذا الشخص، وقد كان أوّل شهداء ذلك المكان، بعد أن أبرز نفسه بهذه الكيفية، تحمّل تلك الآلام التي كان محتّماً أن تنتج عن جرأة كهذه، وظلّ محتفظاً بالثبات وبهجة الروح حتى الموت".

ملاحظة لا بدّ منها :
من المهم أن ندرك أن النقص في المعلومات المبكّرة عن القدّيس جاورجيوس لا يؤثّر في مكانته في كنيسة المسيح وتقوى العامة. وجدان الكنيسة هو الضمانة، والقدّيس كان، أبداً، حيّاً بين المؤمنين وفاعلاً. على هذا ليس ما يبرّر، بحال، محاولات مَن يدّعون أنه كائن خرافي. كذلك ليس مقبولاً أن يحطّ أحد من قدره بين القدّيسين، كما فعلت الكنيسة اللاتينية، لما جعلت ذكره السنوي اختيارياً بين الناس، بدءاً من العام 1970م. أما الأخبار المتداولة عنه، والمستفيضة أحياناً، فليس سهلاً التميز فيها بين ما جرى للقدّيس في الواقع وما ساهمت فيه الأجيال المتعاقبة من قصص وأخبار كان القصد منها أولاً وأخيراً إعلاء شأن القدّيس من ناحية، وتقديمه للمؤمنين كنموذج يُحتذى، من ناحية أخرى. هذا لم يكن ليُحسب، بالنسبة للأقدمين، تزويراً ولا تضليلاً بل مساهمة في عرض سيرة القدّيس بطريقة قصصية حيّة تحرّك الأكباد توخّياً لبناء المؤمنين. ولاشك أيضاً أن بعض ما ورد يعكس واقع الزمن الذي برز فيه، وكذلك الصورة التي كانت في وجدان الناس عن الشهيد بعامة أنه من يكون قد كابد جمّاً من الآلام أو اجترح جمّاً من العجائب أو نحو ذلك.
صورته في الخدمة الإلهية
في الخدمة الإلهية التي تقيمها الكنيسة في مناسبة ذكرى القدّيس جاورجيوس جملة من سمات القداسة والشهادة لديه. هو إنسان عرف المسيح فتجنّد له وازدرى ما عداه. وزّع ماله على المساكين وألهب عقله بالغيرة الإلهية. غرس كرمة الإيمان وصار حرّاثاً صالحاً للثالوث القدوس. أعرض عن الجسد بما أنه زائل واهتمّ بحكمة النفس العادمة الفساد. لما قبض عليه مضطهدوه اعترف بالمسيح وتجلّد رافضاً الاشتراك في تقديم أضحية الضلالة لأنها دنسة. تقدّم نحو الجهاد بعزم ثابت. تسلّح بالصليب الطاهر كترس. أقام الشوق بالإيمان وأقصى الخوف بالرجاء. أتمّ السعي وحفظ الإيمان. تألّم مع المخلّص وماثله في الموت بموته الاختياري. وقد حصل مشتركاً مع الفاقد التألّم في آلامه وقيامته. تمنّع بدرع الإيمان وخوذة النعمة ورمح الصليب. سلك بحسب اسمه فحرث الأرض المجدبة بالضلالة الشيطانية واستأصل أشواك مذهب الأوثان. تقدّم نحو الجهاد بعزم ثابت. تمحّص بأنواع التعذيبات المختلفة كالذهب المنقّى. لسان حاله كان " إني متجنِّد للمسيح ملكي. فلا وحوش ولا بكرات ولا نار ولا سيف يقدر أن يفصلني عن محبّة المسيح". كابد الجلدات والتجريدات والضرب بأعصاب البقر والسجن والطرح في الكلس وباقي التعذيبات والدولاب. التعذيبات الأليمة احتسبها بمنزلة نعيم. أُحرق بالنار لأجل المسيح. قُطع جسمه بجملته عضواً عضواً. وقد صلّبت المخاطر ومرّنت التعذيبات جسده الفاني بحسب الطبيعة والذي أذابته العقوبات المتنوِّعة. حربه لم تكن مع لحم ودم بل مع ضلالات عدوّ الخير. وقد عرقل العدوّ المغتصب وحطمه وانتصر على ضلالته. حصل بطلاً إلهياً وجندياً للملك العظيم. صار شهيداًَ وصديقاً خاصاً للمسيح. المحبة لديه غلبت الطبيعة وأقنعت العاشق بأن يصل إلى المعشوق بواسطة الموت. نال السماويات بالمحبّة وتقبّل من الله إكليل الغلبة ولبس النور فأضحى انتصاره دافعاً "لتمجيد قيامة المخلّص الرهيبة".
في ضوء ما تقدّم أية علاقة تعكس لنا الخدمة الإلهية للشهيد العظيم بالمؤمنين؟ تقول لنا الخدمة إن المؤمنين بتجديد تذكار جراحاته يستقون ينابيع الأشفية وإنه يتشفّع بهم لدى المسيح الإله في كل المسكونة. وهو يحرس المؤمنين ويخلِّصهم إذا دعوه ويقدِّس حياتهم. كما يطرد جسده من البشر كل سقم لأن المسيح يفيض به الأشفية للمؤمنين. وهو يمطر عليهم سيول العجائب الباهرة، وله من المكرّمين إيّاه منزلة الحافظ الساهر. في إحدى قطع صلاة العشاء للعيد، على يا رب إليك صرخت، يتوجّه إليه المؤمن بهذه الطلبة: "أيها المغبوط جاورجيوس، أسألك أن تحفظني متى سافرت في البحر أو البرّ أو كنت هاجعاً في الليل. هبني ذهناً صاحياً. أرشدني إلى إتمام مشيئة الربّ الإله، فأجد في يوم الدينونة الصفح عمّا اجترمته في حياتي، أنا الملتجئ إلى كنف وقايتك".
هذه طبيعة علاقته بالمؤمنين. أما ما تسأله الكنيسة، بعامة، منه فيؤكّد العلاقة الحيّة التي لها به في كل آن ومكان. فهي تسأله الابتهال إلى الله أن ينقذ من الفساد والشدائد مَن يقيمون بإيمان تذكاره الدائم الوقار وأن يقصي عن المؤمنين الغمّ المفسد وأن ينير ويخلّص النفوس وأن يملأ الأفواه تسبيحاً وأن يمنح السلام للمسكونة ويستمدد لهم غفران الخطايا والرحمة العظمى. في إحدى الأناشيد نخاطبه على هذا النحو "بادر وتداركنا، نحن أفراخك، كالنسر المجنح بريش ذهبي، وأبسط جناحيك وتقبلنا متعهِّداً إيّانا على الدوام لأنه حسن أن نستريح تحت ظلِّك".
وقد يتساءل المرء بعد الذي ورد، في الخدمة الإلهية، عن القدّيس عمّا إذا كان يختلف، في هذه الطلبات التي ترفعها إليه الكنيسة عن غيره من القدّيسين. صحيح أن أكثر ما ورد عنه ينطبق على سواه أيضاً، لكن هذا لا يُضير ولا يُعثر. فطبيعة علاقة الكنيسة بقدّيسيها واحدة وطلباتها واحدة تُضاف إليها خصوصية هنا أو خصوصية هناك، باعتبار الفئة التي ينتمي إليها القدّيس (شهيد، أسقف، صانع عجائب...) وكذلك مزاياه الخاصة به. وهذا طبيعي طالما القدّيس شخص لا فكرة.
أخباره في التراث
ورد عند القدّيس سمعان المترجم (+960م) عن القدّيس جاورجيوس أنه وُلد في بلاد الكبّادوك من أبوَين مسيحيّين شريفين. بعد وفاة والده ارتحل هو وأمّه إلى فلسطين باعتبار أن أمّه كانت، في الأساس، من هناك وكانت لها أملاك وافرة. كان جاورجيوس قويّ البنية وتجنّد ثم ترقّى وصار ضابطاً كبيراً. وبفضل جرأته وسيرته الحميدة نال حظوة لدى الأمبراطور ذيوكلسيانوس وتبوّأ مراكز مرموقة. فلما حمل الأمبراطور على المسيحيّين طرح جاورجيوس عن نفسه علامات الرفعة واعترض لدى الأمبراطور. فكان أن ألقوه، للحال، في السجن. وبعدما استجوبوه حاولوا استمالته وفشلوا فعذّبوه تعذيباً شديداً. لا شيء زعزع إيمانه وتمسّكه بالمسيح. أخيراً استاقوه عبر المدينة وقطعوا رأسه.
ومن الروايات التي تنوقلت عن القدّيس جاورجيوس واشتهرت واعتُمدت موضوعاً لأعداد من إيقوناته رواية قتله التنين. هذه وردت، بين المسيحيّين، في صيغ شتّى. خلاصة الرواية أن ابنة الملك تهدّدها تنين فظهر له القدّيس جاورجيوس وقتله وخلّصها. وفيما تعيد إحدى الصيغ الرواية الحادثة إلى سيلين الليبية، على ضفّة البحيرة هناك، تعيدها صيغة أخرى عندنا، إلى بيروت، وإلى مصبّ نهر بيروت بالذات. ولعلّه من المفيد، في هذا المقام، أن نورد ما نقله أحد مؤرّخي القرن الخامس عشر الميلادي، المدعو صالح بن يحي. هذا كتب في مؤلَّفه "تاريخ بيروت"، من النصف الأول من القرن الخامس عشر، عن النصارى فيها زعمهم أنه "خرج، في القدم، في بيروت، تنّين عظيم فقرّر أهل بيروت له، في كل عام، بنتاً يخرجونها إليه اكتفاء لشرّه فوقعت القرعة في سنة من السنين على صاحب بيروت. فأخرج بنته ليلاً إلى مكان موعد التنّين فتوسّلت بالدعاء إلى الله فتصوّر لها مار جرجس القدّيس. فلما جاء التنّين خرج عليه مار جرجس فقتله، فعمّر صاحب بيروت في ذلك المكان كنيسة بالقرب من النهر. والنصارى تصوّر هذه الكائنة في سائر كنائس بلادهم، وقلَّ ما تخلو منها كنيسة. ويزعم النصارى أن مار جرجس من لدّ قتله ملك عبد الأصنام بحوران (راجع مطلع الحديث عن القديس) وله عيد مشهور عندهم في سائر البلاد. وأهل بيروت المسلمين والنصارى يخرجون في ذلك العيد إلى نهر بيروت ويُسمّى عيد النهر، وهو من البدع (وجاء في حاشية الكتاب: عيد النهر المذكور دائماً يكون ثالث وعشرين نيسان)".
هذا في شأن التنّين، أما موضوع التنّين في المسيحية وغير المسيحية فقديم وليس هو بقصر، بين القدّيسين، على القدّيس جاورجيوس. في أشعياء وإرمياء ذكر له. وذكره بارز في سفر الرؤيا. في رؤيا 20: 2 يُسمّى "التنّين الحيّة القديمة" ويُعَرَّف عنه بأنه إبليس والشيطان. والتنّين بعدما فشل في ابتلاع ولد المرأة التي وضعت ذَكراً "عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد"، على حد تعبير سفر الرؤيا(12: 5)، أقول اضطهد التنّين المرأة، وغضب عليها "وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح (12: 17)". القدّيس جاورجيوس هو أحد الذين حفظوا وصايا الله وكانت عندهم شهادة يسوع. فليس بغريب، لاسيما، في الأزمنة التي عانى المسيحيون خلالها الاضطهاد، عبر التاريخ، أن تروج عندهم صورة القدّيس جاورجيوس وسواه من القدّيسين المسمّين "العسكريين"، وهو يفتك بالتنّين إبليس. المسيحيون دائماً ما كانوا يدركون أن حربهم ليست مع لحم ودم بل، كما قال بولس الرسول، "مع أجناد الشرّ الروحيّة في السماويات" (أفسس6: 12). ومن القدّيسين الذين لهم إيقونات وهم يطعنون الحيّة أو التنّين عندنا القدّيس ثيودوروس التيروني. في الثمانينات من القرن العشرين كشفت الحفريات في تيراكوثا في مقدونية النقاب عن إيقونات تصوّر القدّيس ثيودروروس على حصان والتنّين بين رجليه وهو يقتله، والقدّيس جاورجيوس وخريستوفوروس، جنباً إلى جنب، وهما يطعنان بالرمح حيّة ذات رأس بشري. هذه تعود في رأي الدارسين إلى ما بين القرنين السادس والسابع الميلادي. إيقونات مشابهة لهذه وُجدت أيضاً في تونس.
أما أخبار عجائب القدّيس فعديدة عديدة نورد منها هذه العجيبة التي أشار إليها عدد من إيقونات القدّيس جاورجيوس. هذه استعرناها من سنكسار محلّي مخطوط من القرن التاسع عشر. فلقد ذكر إنه كان في جزيرة ميتيليني هيكل مجيد للقدّيس جاورجيوس كان الناس يتقاطرون إليه، كل سنة، في عيد القدّيس، ليعبدوا ويتبرّكوا. فسمع بذلك العرب المسلمون، الذين في جزيرة كريت، فأغاروا على المكان، عند المساء، وقت السهرانية. وقد تمكّنوا من أسر عدد من المؤمنين المجتمعين هناك. هؤلاء استاقوهم إلى كريت غنيمة. بين الأسرى كان شاب حَدَث. هذا وهبه قائد المغيرين أمير الجزيرة فأقام عنده خادماً. فلما كان عيد القدّيس جاورجيوس، بعد حين، صنع والدا الشاب، في ميتيليني، كعادتهما في العيد. فلما انتهت الصلاة ألقت أمّ الشاب بنفسها على الأرض، في هيكل قدّيس الله، ورجته بدموع أن يعيد لها ابنها الأسير. وبعدما سكبت حسرة نفسها لديه عادت إلى بيتها وأصلحت مائدة العيد. فلما جلس الجميع إلى الطعام وهمّ الخدم بتقديم الخمر حدث أمر عجيب. فجأة ظهر الشاب الأمير وهو يقدّم كأس خمر لأمّه. يا لهول المفاجأة! ماذا حدث؟! كيف تمّ له ذلك؟! بعدما هدأت المشاعر واستعاد الجميع شيئاً من روعهم علموا من الشاب أن القدّيس جاورجيوس جاء إليه وهو يقدّم الخمر لمخدومه الأمير، فأخذه وأركبه وراءه على حصانه، على الحال التي كان فيها، حاملاً الإبريق والكأس. وإذا به فجأة، بنعمة الله، في دار ذويه. هذه اللمحة عن الشاب راكباً وراء القدّيس جاورجيوس تبدو في العديد من الإيقونات التي تصوّره راكباً على حصانه.
رفات القدّيس
ثمّة دراسات تبين أن رفات القدّيس جاورجيوس تتوزّع، في الوقت الحاضر، على أديرة وكنائس في أماكن شتّى في الشرق والغرب. في الغرب، قيل أن هامة القدّيس، أو بالأكثر جزءاً منها، جعلها البابا زخريا الرومي، في القرن الثامن الميلادي، في كنيسة القدّيس جاورجيوس فيلابرو، في رومية. أما الأماكن الأخرى التي قيل إن فيها أجزاء مختلفة من رفاته فهي اليونان وفلسطين وقبرص وكريت ومصر والعراق وكوريا وسواها. أكثر الموجود، فيما يبدو، في اليونان والجزر. حتى بعض دمه محتفظ به في دير ديونيسيو ودير زوغرافو في جبل آثوس. وقد قيل إن عظم كتفه قاعد في دير القدّيس جاورجيوس في ليماسول.
إيقوناته
إيقونات القدّيس جاورجيوس متنوّعة. فبالإضافة إلى ما ذكرناه أعلاه بشأن حفريات مقدونيا، هناك إيقونة جيورجية من القرن الحادي عشر تصوّره يقتل رجلاً متوّجاً، ربما يشير إلى الأمبراطور ذيوكلسيانوس أو سواه. ومن أنماط الإيقونات التي نجدها له منذ القرن الثاني عشر، إيقونات تصوّره في لباسه العسكري، إما بقامته الكاملة وإما نصفياً وأخرى تصوّره على الجواد وهو يقتل التنّين. وقد تُضاف إليه في هذه الوضعية مجموعة من الإيقونات التفصيلية من حول الإيقونة الأساس تصوّر عذاباته. وقد يصوِّرونه واقفاً يصلّي بقامته كاملة أو بمعيّة قدّيسين أو قدّيسات آخرين كالقدّيس ديمتريوس أو مركوروس أو بروكوبيوس أو ثيودوروس أو براسكيفي أو سواهم. وقد يجعلونه واقفاً دائساً التنّين وهو يقتله، أو يجعلونه واقفاً يصلّي ومن حوله إيقونات تفصيلية لعذاباته واستشهاده. أقدم الموجود جيورجي وبيزنطي وروسي. ورسمه مصكوك أيضاً على قطع نقدية معدنية وميداليات. من أقدم الموجود ما لنا عنه من القرن الثاني عشر، زمن الأمبراطور مانويل الأول (1143- 1180م). هذه تصوّره نصفياً في لباس عسكري. وهناك من القرن عينه ميدالية تصوّره مع الأمبراطور يوحنا كومنينوس (1118- 1143) يمسكان، كل من ناحيته، الصليب المكرّم. وهناك صلبان برونزية من القرن التاسع للميلاد تجعله في أعلاها وهو رافع يديه يصلّي. وثمّة علب صغيرة لحفظ رفات القدّيس، منذ الثالث عشر، عليها رسمه جندياً. بركته تشملنا أجمعين.

طروبارية باللحن الرابع
بِما أنَّكَ للمأسورينَ مُحرِّرٌ ومُعتِقٌ. وللفُقَراءِ والمَساكينِ وعاضدٌ وناصِرٌ. وللمَرضى طبيبٌ وشافٍ. وعنِ المؤمنينَ مُكافِحٌ ومُحارِبٌ. أيُّها العظيمُ في الشُّهداءِ جاورجيوسُ اللابِسُ الظَفَّر. تَشَفَّعْ إلى المَسيحِ الإله. في خلاصِ نفوسِنا.

قنداق باللحن الرابع
لقد فُلحتَ من الله، فظهرتَ فلاَّحاً مكرَّماً لحسن العبادة، وجمعت لنفسك أغمار الفضائل يا جاورجيوس، لأنكَ زرعتَ بالدموع، فحصدتَّ بالفرح، وجاهدتَ بالدم فأحرزتَ المسيح. فأنتَ أيها القديس تمنح الكل بشفاعاتك غفران الزلات.

وقد سمح الله أن يصل جزء من رفاة القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس اللابس الظفر إلى سوريا وبالتحديد إلى مطرانية عكار وتوابعها للروم الأرثوذكس , أسقفية طرطوس وصافيتا لتوضع في كاتدرائية رقاد السيدة بطرطوس يوم الخميس 12 / تموز / 2007 في عهد صاحبي السيادة المطران بولس بندلي ( متروبوليت عكار وتوابعها للروم الأرثوذكس ) والمطران باسليوس منصور ( أسقف طرطوس وصافيتا للروم الأرثوذكس ) وهي بركة حملها صاحب السيادة المطران يوئيل مطران أبرشية إيديسا من الجبل المقدس ( آثوس ) في اليونان إلينا .   
و تحتفل كنيستنا الأرثوذكسية بعيده في الثالث و العشرين من شهر نيسان كما تعيد له في السادس من أيار ( يوم عيد الشهداء ) من كل عام.


مصدر آخر :
زمن استشهاده غالبًا ما يُنظر إلى القديس مار جرجس كأمير للشهداء في عصر دقلديانوس، فقد تزعّم في منطقة الكبادوك حركة الثورة على منشور الاضطهاد ضد المسيحيين، لكن المخطوطات القبطية في غالبيتها تنظر إليه أنه في عصر سابق لهذا الإمبراطور، في عهد ملك غير شرعي يُدعى داديانوس Dadianus الفارسي، وهو رجل وثني وليس مسيحي جحد مسيحه، وكان له سلطان على منطقة الكبادوك. لذلك جاءت سيرة الشهيد جاورجيوس السكندري تعلن أن الأخير استشهد في عهد دقلديانوس مع أنه ولد بناء على شفاعة الأول حين حضر والده تكريس كنيسته باللدّ. وفي بعض المخطوطات القبطية لم يذكر عصره إنما قيل "في أيام القدم" ربما قاصدا ما قبل عصر دقلديانوس. نشأته وُلد هذا القديس في الكبادوك بآسيا الصغرى، من أبوين تقيين غنيين ينتسبان إلى عائلة شريفة. كان والده أناسطاسيوس واليًا على Melitene  بكبادوكية ، وكانت والدته ثاؤبستى أو ثاؤغنسطا من فلسطين ابنة والي اللدّ. قيل أن والده كان إنسانًا تقيًا ومخلصًا لله وللملك، فأحبه الملك جدًا، وجعله من حاشيته التي ترافقه في رحلاته وغدواته. لكنه إذ اكتشف إيمانه بالسيد المسيح أمر بقطع رأسه. كان القديس جاورجيوس في الرابعة عشرة من عمره. على أي الأحوال جاء القديس جاورجيوس ثمرة لبذرة مقدسة دُفنت في أرض مقدسة، فقدمت للكنيسةٍ كما للسمائيين ما يفرح قلوبهم. لم يسبب استشهاد الوالي أناسطاسيوس إحباطًا للعائلة، بل ألهب قلب الابن المبارك جاورجيوس بنار الحب الإلهي، ليصير هو أيضًا شهيدًا للرب. إذ استشهد أناسطاسيوس أخذت ثاؤبستى أولادها: جاورجيوس وكاسيه ومادرونة وانطلقت إلى مسقط رأسها ديوسبوليس بفلسطين. الأمير جاورجيوس الروماني بعد استشهاد الأمير أناسطاسيوس احتل مكانه الأمير يسطس، وكان يخاف الله ويحب السيد المسيح، لذلك أحسن إلى عائلة الشهيد أناسطاسيوس. وقام بتعليم الشاب جاورجيوس الفروسية لينخرط في سلك الجندية. تفوّق جاورجيوس على الجميع في ركوب الخيل وممارسة الفروسية، وأظهر شجاعة نادرة، وبسرعة صار بطلاً له صيته في كل فلسطين، وأصبح قائدًا لفرقة كبيرة تعدادها ألفًا من الجند. أرسله الأمير إلى الملك ومعه رسالة توصية تكشف عما حققه القائد جاورجيوس من البطولات، ويطلب من الملك أن يهبه رتبة "أمير". أحبه الملك جدًا ووافق على تذكية الأمير يسطس، وصار اسمه "جاورجيوس الروماني"، وعيّنه أميرًا يقود خمسة آلاف جنديًا، كما قدم له فرسًا أشهبًا من الأنواع النادرة تعبيرًا عن رضاه. صار جاورجيوس محبوبًا من الجميع بسبب هيئته التي كانت تدل على شجاعته خاصة في الحروب، مع حسن قيادته وتدبيره للأمور، فضلاً عن خصاله الحميدة، فأصبح قائدًا ومدبرًا للجيش، وكان سنه 20 عامًا. وكان جاورجيوس يزداد كل يوم اعتبارًا وشرفًا. وفي سن العشرين تنيحت والدته. محبة الوالي له اشتاق يسطس أن يجعل من جاورجيوس ابنًا له بأن يزوجه ابنته الوحيدة الصغيرة التقية التي كانت تخاف الله، فأفصح عن ذلك للأميرة تأوبستي والدة الأمير جاورجيوس التي فرحت جدًا. أقام يسطس جاورجيوس خطيب ابنته وكيلاً على ممتلكاته، وقد أرجئوا الخطبة لصغر سن الفتاة. ولم يكن الكل يعلم أن الله كان يعد له طريقًا أعظم. غيرة الأمير جاورجيوس سمع جاورجيوس أن الملك قد اجتمع بسبعين واليًا، وأصدر أوامره بإبادة المسيحية تمامًا وهدم الكنائس. استعد جاورجيوس لمواجهة الاضطهاد، إذ كان لابد أن يصرّح بدِينه أمام الملك. باع كل ما ورثه من والديه حتى أثاثات بيته وثيابه وقدم ثمنها للفقراء. وإذ صدر منشور بذلك أمسك القديس بالمنشور ومزقه علانية وسط الجماهير في مكان عام، بعد أن وزع كل ممتلكاته على الفقراء وحرر العبيد وتهيأ للاستشهاد بفرح. أمام الملك اقتيد أمام الملك الذي لاطفه كثيرًا ووعده بعطايا جزيلة فلم يبالِ. وإذ فشل الملك في إغرائه صار يعذبه لمدة سبع سنوات، وكانت يد الله تسنده ليقتنص نفوسًا كثيرة للإيمان خلال عذاباته، فقد مات ثلاث مرات وكان الرب يقيمه ليتمجد فيه، حتى استشهد في المرة الرابعة، كما كان ينعم برؤى سماوية وسط الآلام تسنده وتعينه. أقوى من السحر والسم من بين العذابات التي تعرض لها القديس جاورجيوس أن الملك أحضر له ساحرًا مشهورًا يُدعى أثناسيوس أعد له سمًا قاتلاً، وقدمه للقديس لكي يشربه، أما القديس فبالإيمان شربه ولم ينله أذى، عندئذ آمن الساحر بالسيد المسيح. اغتاظ الملك وأمر بعصر القديس في معصرة بها أسنان حديدية حتى أسلم الروح، ولكن السيد المسيح أقامه ورأته الجماهير وآمن بسببه كثيرون قبلوا الاستشهاد باسم الرب. إذ رأى الولاة ذلك طلبوا منه في حضرة الملك أن يجعل كراسيهم تورق وتثمر فصلى إلى الله وتحقق طلبهم. وإذ دُهشوا حملوه إلى المقابر وطلبوا أن يقيم لهم أمواتًا، فصلى إلى الرب وقام بعض الأموات شهدوا بخلاص السيد المسيح ثم رقدوا. في هيكل الأوثان استخدم الملك معه اللطف قائلاً له إن قلبه مجروح بسبب ما أصابه، وأنه عزيز لديه جدًا، وسيقدم له أسمى مناصب الدولة. وأخيرًا سأله أن يذهب معه إلى هيكل الأوثان. انطلق جاورجيوس مع الملك إلى معبد الوثن حيث ظن الأخير أنه سيبخر للأوثان فيعطيه ابنته زوجة، وإذ بلغ الاثنان إلى الهيكل ومعهما حاشية الملك، وجمع غفير من الشعب. وقف أمام تمثال أبولو وصرخ نحوه: "هل أنت إله لأقدم لك ذبيحة؟" فأجاب الصنم بصوت مريع: "إني لست إلهًا". رشم القديس علامة الصليب فسقطت الأصنام وتهشمت. فصرخ الشعب طالبين الفتك بعدو آلهتهم. شعر الملك بالخزي الشديد وانطلق إلى قصره مرّ النفس. أقوى من كل إغراء! سرّ قوة الشهيد مار جرجس الروماني ممارسته اليومية لحياة الاستشهاد، إذ غلب شهوات الجسد في معارك أرضها أعماقه الداخلية، وكما يقول الحكيم: "مالك روحه خير من مالك مدينة" (أم32:16). إذ أُودع جاورجيوس في السجن استشار الإمبراطور رجاله عما يفعله مع هذا القائد الشجاع. فتقدم أحد الأمراء باقتراح أن هذا الشاب الوسيم لن يضعف أمام أية تهديدات، ويُسر حتى بالموت. لكن أمرًا واحدًا يمكن أن يحطمه وهو الإغراء بفتاة لعوب، تقتنصه بفتنتها وأُنوثتها الطاغية وخبراتها، بهذا يفقد جاورجيوس عفته، وينهار إيمانه. استدعى الإمبراطور المشرفة على محظيات الإمبراطور وجواريه، منها أن تختار فتاة لها خبرتها في هذا الأمر. أُرسلت الفتاة إلى السجن لتقضي ليلة مع الشاب حتى تغريه ويسقط معها. لكن مارجرجس الذي عرف أن يُقدم كل يوم ذبيحة حب على مذبح الطهارة في المسيح يسوع حوّل السجن إلى هيكل طاهر تُقام فيه الصلوات لأجل خلاص نفسه وخلاص هذه الفتاة وكل من حوله. لم يأتِ الصباح حتى تقدمت الفتاة إلى مارجرجس بدموع تطلب منه أن يتحدث معها عن سرّ طهارته وعفته وارتفاع قلبه إلى السموات، فأخذ يبشرها بالخلاص ويقدم لها الحياة الإنجيلية الفائقة. جاء رجال الإمبراطور في الصباح الباكر لأخذ الفتاة إلى الإمبراطور فوجدوها قد اكتست بالحشمة وتوشحت بالعفة والوداعة، تعلن إيمانها بالسيد المسيح ملكها وخلصها. صُعق الإمبراطور ورجاله لما حدث، وصدر الأمر بقطع رقبتها بحد السيف. اُقتيدت إلى ساحة الاستشهاد حيث ركعت متهللة تصلي إلى مخلصها ربنا يسوع ليقبل روحها، وتنال إكليل الشهادة. صمم الإمبراطور على أن يُذيقه أقسى ألوان العذابات انتقامًا مما فعله مع الفتاة. في القصر الملكي لما كثرت المعجزات التي صنعها الرب على يديه وشعر الملك بالفشل، أخذه معه إلى القصر ليغريه أنه سيزوجه ابنته. هناك في القصر سمعته الملكة يصلي فطلبت منه أن يشرح لها إيمانه، ففتح الرب قلبها وجذبها روح الله إلى الإيمان. أخذت الملكة ألكسندرة تعاتب الملك: "ألم أقل لك لا تعاند الجليليين لأن إلههم قوي"، وإذ أدرك أن القديس أمال قلبها للرب أمر بتمشيط جسمها وقطع رأسها لتنال إكليل الشهادة. إذ رأت الملكة جاورجيوس يُقاد إلى السجن نادته لتسأله عن عمادها. أجابها القديس إلا تضطرب فإنه إن لم توجد فرصة لعمادها فسفك دمها لحساب الإيمان بالسيد المسيح هو معمودية مقدسة تفتح لها أبواب الفردوس. تهلّلت نفسها وتقدمت الملكة للاستشهاد وهي تقول: "يا رب لقد تركت باب قصري مفتوحًا على مصراعيه، فلا تغلق باب فردوسك في وجهي، يا من قبلتَ توبة اللص اليمين". قُطعت رأس الملكة لتنطلق روحها إلى الفردوس تتمتع برؤية مخلصها. استشهاده خشي الملك من حدوث ثورة ضده إذ ذاعت أعمال الله التي تمت على يديّ القديس لذا أمر بقطع رأسه، وكان ذلك في 23 من برمهات بحسب الأشهر القبطية .
أيقونة الشهيد مار جرجس الروماني تحمل معنى رمزياً : فالعروس التي تظهر في الأيقونة تُشير إلى الكنيسة التي تتطلع إلى أبنائها الشهداء بفرحٍ واعتزازٍ . والتنين يُشير إلى الشيطان الذي يحرك العالم الشرير ضد الإيمان. والحربة تشير إلى صليب رب المجد يسوع الذي يهب النصرة. وهزيمة التنين تُشير إلى هزيمة الشر ومصدره (إبليس) بقوة الإيمان.

 

 
من موسوعة قنشرين للآباء والقديسين
Print
Send to friend
Edit
Back
طباعة
أرسل لصديق
تعديل
عودة
 

 

 
 
         
         
         
   

Qenshrin.com
Qenshrin.net
All Right reserved @ Qenshrin 2003-2015