قنشرين - القديس يوحنا المعمدان Head

 

 

الاسم :القديس يوحنا المعمدان الولادة: - الوفاة: - القرن: -
 
ولم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان " مت 11:11 ....هذه ليست مجرد مقارنة عادية ولكن من العجب أن يفوز المعمدان بالمركز الأول إذ هو أفضل من نبي ، فإن الله لم يشرف واحداً من الأنبياء السابقين بشرف الخدمة التي أعطيها المعمدان !! ...كانت حياته قصيرة وكانت خدمته أقصر ، فهو لم يتخط الثانية والثلاثين من عمره ، ومع ذلك كان المشعل الذي أضاء الليل البهيم قبل بزوغ الفجر ، .. كان الشهاب الذي لمع في السماء قبل طلوع كوكب الصبح المنير ، وقد طلب من الناس ألا يلتفتوا إليه ، بل بالأحرى أن يلتفتوا إلى الأعظم ، إذ ينبغي أن ذلك يزيد وأنه هو ينقص . وكان منسياً متلاشياً بحضرة المسيح فهو( النبي المهمل ) كما قيل عنه . يوحنا وحياته : ولد يوحنا المعمدان من أبوين متدينين فامتاز بيتهما بالصلاة والصوم وربياه على الحق الإلهي ، فمبارك الحياة الزوجية الممتلئة بدفء الحنان والحب والرقة ، اثنين سارا من مطلع الحياة حتى الشيخوخة كأجمل ما تكون العلاقة بين الزوجين دون تأفف أو تذمر أو شكوى فهما زوجين بارين مواظبين على الصلاة فرزقهما الله في شيخوختهما ولداً . فالأب كاهن والأم تقية فهو مؤهل إذن ليكون كاهناً ، لكن الله اختاره ليكون النبي الذي يعد لمجيء المسيح ،... عاش المعمدان في عزلة وزهد فأهلته العزلة لحياة البساطة الكاملة التي لم تر في الثياب سوى سترة من عري ، وهو ليس في حاجة سوى لثوب من شعر الإبل ، ومنطقة من الجلد يشد بها حقوية ، فإذا جاع فإن الجبال تمده بالجراد الذي يأكله والعسل الذي يشتار منه ما يشاء !! ...ولقد تخلص من أكبر شركين يسقط فيهما الجنس البشري ، شرك الكسوة وشرك القوت ( فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما ( 1 تي 6 : 8 ) . فحياة الزهد هي دائماً حياة شجاعة ، فكان يوحنا من أشجع الناس وأقواهم على الأرض ، .. لم يكن قصبة تهزها الريح ، بل كان البلوطة التي تتكسر الأنواء عند أقدامها ، دون أن تتراجع أو تهتز ، كان صلباً في الحق ، ولعله واجه الكثير من الوحوش في البرية دون أن يفزع أو يخاف ، وقد فعل الشيء ذاته مع الأمة بأكملها ، وهو يصيح في قادتها \" يا أولاد الأفاعي \" ... وهو يزمجر كالأسد في مواجهة الملك : \" لا يحل لك \" وقد يستطيع السيف أن يكسر جسده ، ولكن روحه لم تكسر قط ،وسجل التاريخ شجاعته على أروع ما يكون التسجيل . خرج يوحنا إلى الحياة بعد أن امتلأ من الروح القدس وهو في بطن أمه فقوة الله رافقته . والفرق بينه وبين سيده ، أنه ولد من زرع بشر ، وبالإثم صور وبالخطية حبلت به أمه ، فهو الإنسان التقي المتعمق في تقواه ، الذي يتحرك بروح الله المسيطر عليه إلى حد الامتلاء !!... ولكنه عندما سئل : من أنت : \" فاعترف ولم ينكر، وأقر، أني لست أنا المسيح . فسألوه إذاً ماذا ؟ إيليا أنت ؟ فقال : لست أنا . أنبي أنت ؟ فأجاب : لا ، فقالوا له من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا ، ماذا تقول عن نفسك ؟ فقال : \" أنا صوت صارخ في البرية\"(يو19:1-23) يوحنا ووعظه : كان يوحنا الواعظ المتأكد من دعوته فهو يعلم تمام العلم : \" كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا ، هذا جاء للشهادة ليشهد للنور لكي يؤمن الكل بواسطته \" ( يو 1: 6-7) كان قلبه وعينيه وأذنه مفتوحة لمعرفة الرسالة الإلهية ورؤيتها والتأكد منها ، ومن ثم قيل عنه : \" وشهد يوحنا قائلاً إني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقر عليه . وأنا لم أكن أعرفه ، لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله \" ( يو 1: 32-34) ونحن نرى إنساناً يرى بعينه، ويسمع بأذنيه ، ويدرك بكل يقين أن هناك من أرسله ،.... كان يوحنا الواعظ الذي أدرك أن رسالته الحقيقية أن يظهر مجد المسيح أما هو فيختفي ويدفع الشعب إلى المسيح \" وفي الغد أيضاً كان يوحنا واقفاً هو واثنان من تلاميذه فنظر إلى يسوع ماشياً فقال هوذا حمل الله فسمعه التلميذان يتكلم فتبعا يسوع \" (يو1: 35-37) . كما كان يوحنا واعظاً للتوبة ، بزئير الأسد ، والزئير يهز الأسماع ويحرك الجميع ، فيكشف عن غضب الله على الخطية وينادي بالتوبة لأنه قد اقترب ملكوت السموات \" فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة \" (لو3:8) وتحدث عن التوبة العملية : \"وسأله الجموع قائلين فماذا نفعل فأجاب وقال لهم من له ثوبان فليعط من ليس له ومن له طعام فليفعل هكذا . وجاءه عشارون أيضاً ليعتمدوا فقالوا له يا معلم ماذا نفعل . فقال لهم لا تستوفوا أكثر مما فرض لكم .وسأله جنديون أيضاً قائلين وماذا نفعل نحن . فقال لهم لا تظلموا أحداً ولا تشوا بأحد واكتفوا بعلائقكم \"( لو 10:3-14) وقد بلغ الذروة عندما نراه واعظ الصليب :\" هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم \" (يو29:1) سيبقى هذا الواعظ مدى الأجيال والعصور الواعظ العظيم الذي تسلق من الإنجيل الاجتماعي أعلى قمة وهناك رأى هضبة الجلجثة ، فوعظ بإنجيل الخلاص !!..... لكن التوبة هي الجانب السلبي من الحياة المسيحية ، فقمة المسيحية هي في الإيمان بالمسيح مخلص العالم الوحيد !!... يوحنا وشكه : كان يوحنا سجيناً بسبب زجره للملك هيرودس على زواجه بهيروديا امرأة أخيه ،.. وكان هيرودس هذا هو هيرودس أنتيباس ابن هيرودس الكبير من زوجته الثالثة ، والذي أصبح ملكاً على ربع مملكة أبيه ، وهذا الربع كان الجليل وبيرية شرق الأردن ، وقد تزوج هذا الملك ابنة أريتاس وكان ملكاً عربياً، غير أنه هجرها ، فشن أريتاس حرباً ضارية انتقاماً منه لابنته ،.. لكن فزع الرجل الأكبر كان من يوحنا المعمدان الذي قال له :\" لا يحل أن تكون لك امرأة أخيك \" (مر6: 18) وبتحريض هيروديا قبض عليه وسجن في قلعة مكاروس ، وبقي فيها شهوراً عديدة ،..وفي أعماق السجن ، كان منتظراً أن المسيح سيظهر سلطانه ، وينقذه من سجنه ولكن الزمن طال ، فأرسل إلى السيد اثنين من تلاميذه :\" وقال له أنت هو الآتي أم ننتظر آخر \"( مت11: 3) ....فهناك تفسيرات مختلفة للتلميذين المرسلين ، إما لينضما إلى تلاميذ المسيح ، أو ليجنبهما العثرة ، أو ليسارع السيد لإنقاذه !!.. فكلمة المسيح التي تقول :\" طوبى لمن لا يعثر فيَ \". هل كان هذا شك يوحنا في شخص يسوع المسيح وهو الذي عرفه ، ورأى روح الله نازلاً مثل حمامة عليه ، وسمع صوت الله القائل : \" هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت \" ( مت3: 17) وهو الذي شجع تلميذيه على أن يذهبا وراءه ، وقال : \"هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم \" فهل يمكن بعد هذا أن يشك في السيد !!؟ . في الواقع إن يوحنا تسرب الشك إلى نفسه ، وهو صورة لنا نحن الذين رغم ما يصنع الله معنا من معجزات متعددة ملموسة ، فإن الفرق عندنا بين زمن الشك واليقين ، هو الفرق الذي رآه بطرس وهو ينظر إلى المسيح ويسير مثله فوق الموج ، الأمر الذي لم يفعله بشري آخر خلاف السيد وتلميذه ،... ولكنه في اللحظة التالية يتعرض للغرق ويسمع : \" يا قليل الإيمان لماذا شككت \" ( مت14: 31) .. ويوحنا هنا أشبه بإيليا فوق جبل الكرمل ، وهو يسمو إلى أعلى ذرى الإيمان ، ..ثم يتحول بعدها في اليوم التالي إلى الرجل اليائس الذي يطلب الموت لنفسه تحت الرمة !!..إنها النفس البشرية . لم يكن شك يوحنا بسبب الخطية ، كان على الأغلب ينتظر المسيح بالمفهوم اليهودي الشائع الذي ينظر إليه كملك أرضي يمسك فأسه ليستأصل الشجرة ، ويستأصل هيرودس وشره وفساده بالقوة الجبارة ، ويسيطر على الفساد والأشرار ، ولا شك أن يوحنا كان يتملكه العجب كيف يتركه المسيح مظلوماً إلى هذا الحد ، دون أن يهتم به . وهو سينتظر وينتظر : \" أنت هو الآتي أم ننتظر آخر \"... و يرسل تلميذيه إلى المسيح ، ولا يرسلهما إلى هيرودس للمساومة على الحق !!.. لم يضق المسيح بشك يوحنا ، لأن المسيح يحب الإخلاص ، ويقبله أكثر من كل تصنع للإيمان ، وقد أرسل إلى المعمدان يحدثه برسالته الروحية العميقة : \" العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون . وطوبى لمن لا يعثر في \" ( مت 11: 5-6) .. أدرك يوحنا المغزى البعيد من هذا الجواب ، ... وأن القوة الصحيحة هي قوة الروح لا ثورة العاصفة ، وهدوء النور لا صوت الرعد !!.. وسكنت نفسه وهدأت كيفما يأتي المصير شاهداً أو شهيداً . يوحنا وعظمته : يتحدث المسيح عن عظمة المعمدان ، وأنه لم يقم بين المولودين من الناس أعظم منه ، فهو يشير إلى عظمته الروحية والأخلاقية ، فالعظمة التي تفرد بها يوحنا والتي جعلته أعظم من نبي ، هو الرسالة التي كلف بها والتي لم ينل نبي آخر مثلها !!... فقد رآه ، ونادى قدامه ، وتحدث عن الملك العظيم القائم في وسط شعبه .... انفرد يوحنا بهذا المركز العظيم الذي لم يتح لأحد من المولودين من النساء ، والذي سما به على أعظم نبي في العهد القديم . فما كان تصور المعمدان وهو يقول لتلميذيه : \" هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم \" وذهبا للسيد ولم يذهب هو معهما وإذ يطلبان منه أن يأتي معهما ، يجيب اندراوس وبطرس ويعقوب ويوحنا قائلاً : \" لا اذهبوا أنتم فأنا لست مستحقاً أن أدخل معه تحت سقف واحد وسأبقى حيث أنا ، وسأؤدي عملي عند الأردن ، وسأنادي بالتوبة ، أما هو فسينادي بالغفران ، وملكوت الله سيأتي قريباً ، ولكنني لن أعيش لكي أراه ، لن أعيش لأرى تابور ، والجلجثة ، وجبل الزيتون ، ويوم الخمسين مثلكم ، هو وأنتم تلاميذ ينبغي أن تزيدوا ، وأنا أنقص ، !!..هذا الخيال العظيم يكشف عن امتياز المؤمنين في العهد الجديد ، عن أولئك الذين سبقوا في العهد القديم !!.. ذهب يوحنا شهيد الحق آمناً هادئاً مطمئناً ، إلى مجده الأبدي !!.. ومع أن هيرودس قطع رأسه وهيروديا قطعت لسانه كما يقول التقليد لكن صوته سيبقى مجلجلاً على مدى العصور كلها حتى يأتي المسيح ثانية ويعطي كل واحد حساباً عن نفسه.
إعداد : لوسين كردو ـ قنشرين
 
من موسوعة قنشرين للآباء والقديسين
Print
Send to friend
Edit
Back
طباعة
أرسل لصديق
تعديل
عودة
 

 

 
 
         
         
         
   

Qenshrin.com
Qenshrin.net
All Right reserved @ Qenshrin 2003-2015