قنشرين - شمعون دطيبوثه Head

 

 

الاسم :شمعون دطيبوثه الولادة: - الوفاة: - القرن: القرن السابع
 

قلما نجد اسم شمعون في خلاصات الأدب السرياني ،إنه شخص غير مشهور بسبب عدم نشر مؤلفاته التي كانت طيّ المخطوطات في المكتبات العالمية ،إلى أن قام الفونس منكنا بنشر بعض مقالاته في الثلاثينيات من هذا القرن .وكذلك الإيطالي باولو بيتيولو الذي ترجم إلى الإيطالية عام1992 معظم المقالات التي وصلت إلينا .لكن شمعون معروف لدى أدباء القرون الوسطى ،وهم يذكرونه بإعجاب ،بسبب علمه وروحانيته .فقد ذكره ابن العبري (+1286 )في تاريخه الكنسي في سياق حديثه عن الجاثليق حنانيشوع الأعرج (685 _700 )،إذ يقول: ((إن شخصاًًًً يدعى شمعون دطيبوثه عاش في أيامه (أي في أيام حنانيشوع)وإنه كان طبيبا ماهرا وكان يحب حياة الزهد وألفّ كتاباً عن الحياة المكرسة دعاه ((النعمة))ولُقب باسم كتابه ))أي شمعون صاحب كتاب النعمة ((طيبوثا)).وفي كتابه الآخر تاريخ الأزمنة  Chronography.يورد اسم الراهب شمعون دطيبوثه ضمن قائمة أسماء الأطباء السريان .ويقول عبد يشوع الصوباوي في فهرس المؤلفين المشارقة : ((لشمعون من طيبوثا (كذا)كتاب واحد في السيرة وآخر في الطب وآخر في تفسير أسرار القلاية .وهناك ملاحظة أخرى وردت عنه في كتاب الديورة ليشوعدناح مطران البصرة : ((مار كني الذي نصب ديرا في بلد كشكر ،انطلق إلى جبل ايزلا عند مار إبراهيم واقتبل الاسكيم من القديس...وإن القديس مار شمعون طيبوثا الذي دعي لوقا ،شهد وأعلن فضائل مار كني)).
من كل ما تقدم نستنتج أن شمعون عاش في القرن السابع ،في أوج الحركة الروحانية السريانية ،ودخل دير الراهب شابور بقرب (الأهواز)حيث كان اسحق النينوي قد لجأ إليه سنة659 بعد استقالته من منصب أسقف نينوى ،على الأرجح تعرف إليه .وقد يكون قصد دير ايزلا ،محجّة الرهبان المشارقة!إن شمعون اكتسب ثقافة إنسانية وطبيّة إلى جانب ثقافته اللاهوتية والروحانية .وعموماً كان القدامى يدمجون الدراستين الروحية والعلمية ،لأن الدراسة العلمية تساعدهم على فهم الأمور الروحية ،ولأن معرفتهم الدقيقة لوظائف أعضاء الجسد تسهل عليهم أمر ترويضها في سبيل إطلاق الروح .وهو كسائر الروحانيين المشرقيين متأثر بافغريوس البنطي وديونيسيوس المنحول وبآباء الصحراء وبالروحانيين المشرقيين السابقين أمثال مكاريوس (السرياني)ويوحنا المتوحد والأنبا اشعيا واسحق النينوي...

تآليفه :
1-كتاب النعمة
2- ميمر في القامات المتميزة (المخطوط الفاتيكاني السرياني رقم562ص34 _52 ).
3- غذاء المعرفة وتقدم السيرة (المخطوط السينائي السرياني رقم14 (88 _89_99 _100 ،101 _102 ).
4- الطرق العديدة للصلاة (مجموعة منكنا السريانية رقم 186 ص156 _162 ).
5- وقد قام منكنا بنشر خطابين لشمعون في تكريس الصومعة ،في مجموعته دراسات وودبروك مجلد7 (سنة1934 )ص282 _320 )وقد اعتمد المخطوطة السريانية المرقمة 1289 العائدة إلى مكتبة بطريركية الكلدان _الموصل.أما كتابه عن الطب فقد ضاع أما الإيطالي بيتيولو ،فهذه عناوين المقالات التي ترجمها والتي يتفاوت طولها من صفحة إلى35 صفحة:
- التناغم بين الأعمال الجسدية والنفسية     - تغذية المعرفة بالحقيقة
- تأويل كتاب القديس ديونيسيوس المنحول   
- غذاء النفس
- المشاهدة الروحية (التأمل)                 
- معنى النفس
- القامات المتميزة للحياة الروحية               
- معنى المشاهدة (التأمل)
- تدرّج السيرة                                   
- ما هو العقل
- تطويبات تدرّج السيرة                         
- الصلاة
- الإهمال الحاصل سهواً                        
- نمو السيرة
- تذوق الملك والعذاب                         
- مسالك الجهل
- دواء التوبة                                      
- الأعمال الطوعية
- العادات والأهواء                             
- صعود السيرة وسقوطها
- دواء العقل المظلم                              
- الطرق العديدة للصلاة
- ثمار التوحّد                                     
- أسئلة طرحها على الراهب شابور
- المعرفة الروحية وكيفية اكتسابها              
- ما معنى أن الإنسان مخلوق على صورة الله ،ويتناول فيه الجوانب العديدة من نشاط الإنسان .
- ممارسة المذابح الثلاثة                         
- قوى الإنسان الداخلية والخارجية             
- أنواع المعرفة الثلاثة                          
- خطاب ليوم تكريس الصومعة

روحانيته :
إن الكلمات روحي ،روحية ،روحاني ،روحانية ،كلمات ترتبط بالروح ،روح الله الذي نسميه الروح القدس ،والروحانية هي عملية روحنة العالم الذي نعيش فيه على مثال المسيح...ترتكز هذه العملية على فعل الروح القدس الذي يملأ حياة المؤمن حتى أنه يخترق كل شيء ليحييه ((الروح يحيي ))(2 قور 3/6 ).فالروح القدس يساعد على تقديس حياة الإنسان بكل أبعادها وتأليهها .والروحانية في الأدب المسيحي هي دراسة السبل والأنماط المتعددة التي مارسها الآباء لتقديس ذاتهم بالروح القدس من خلال عيش الإيمان عيشاً وجدانياً (القلب – الحب )على مثال المسيح وفي الواقع اليومي . ينضم شمعون إلى التقليد المشرقي الواسع و((المجمّع))من عناصر عديدة ومختلفة ،فهو يقتبس من اسحق النينوي الذي على الأرجح تعرف إليه لأنه عاش في الدير نفسه((مار شابور في جبل ماتوت ))،ومن آخرين كما ذكرنا أعلاه .وهو متأثر بالغنوصية .
يلجأ شمعون مرارا إلى الرمز للتعبير عما يريد قوله،مستخدما بخاصة رمز الورق والثمر لتبيان نمو الشجرة ،ولتوضيح العلاقة القائمة بين المشاهدة الروحية (التأمل)وثمارها . وهو يستند إلى نص الرسالة إلى غلاطية : ((أما ثمر الروح فهو المحبة والفرح والسلام وطول الاناة واللطف ودماثة الأخلاق والأمانة والوداعة والعفاف ))(غلاطية 5 _22 ).

التأمل أو المشاهدة :
إن معرفة التأمل في نظر شمعون هي في طبيعة الإنسان ،ويستند إلى كتابات ديونيسيوس المنحول .
ويرى ثلاثة أنواع من المعرفة :
1-المعرفة الطبيعية وهي المتعلقة بالأمور الحسيّة المنظورة وتسبق حركة الحرية .
2- المعرفة العلمية وتنطلق من القوى الخاصة بالطبائع المنظورة وتنقسم إلى الرياضيات والفلكيات .
3-المعرفة الإلهية أو المشاهدة الروحية وتتعلق بالله الكائن الواجب الوجود وتتم من خلال العقل والنعمة ،وهذا ما يسميه لاهوتاً .يدمج شمعون سير هذه المراحل الثلاث للتأمل بالتدبير ،أي بتجلي نعمة الله لنا بيسوع المسيح ،يقول: ((يعرف الآباء هذه المراحل الثلاث للتأمل بالتدبير أي ظهور نعمة الله لنا ،والتي نقلتنا من ظلام الكلام وكثافة الجسد إلى المعرفة العقلية الخفية والعاملة في كل شيء .وهكذا نتجاوز الحواس ونتمتع بمشاهدة (تأمل)الأمور الروحية)).ويسمى هذه المشاهدة الملكوت إن هذه الخبرة الصوفية هي مع الثالوث الأقدس من جهة ،والمسيح من جهة أخرى: ((هذا هو التعليم الذي يسميه الرب ملكوت الله أي التأمل الكامل في الثالوث الأقدس وفي معرفة تدبير محيينا الذي هو جزء منه ،فقد قال(المسيح)إن ملكوت الله هو فيكم ،فلا يأتي على وجه يراقب ولن يقال هو هنا أو هناك ))(لوقا 17 :20 _21 ).إذن ملكوت الله هو المعرفة الخاصة بالسماويات .والفقراء بالروح (متى5 _3 )هم الذين بلغوا درجة الكمال ،إنهم بتواضعهم كالأطفال وبفقرهم إلى المعرفة أدركوا المعرفة الحقيقية, .إن هذه الحياة الواعية والسلوك الروحي في الله ((يرتكزان على تأوين تطبيق الوصايا وعلى التأمل في كل شيء)) .
والسلوك الروحي يمر بثلاث مراحل: ((إن السلوك الذي على الإنسان أن يتمرس فيه ليتدرج حتى يصل إلى الروحانية يمر بثلاث مراحل:الألم وعدم الشعور بالألم والنقاء والقداسة .تقوم المرحلة الأولى على معرفة الإنسان لذاته واستئصال أعمال الخطيئة والتوبة والبكاء بمرارة على الحياة الماضية.والثانية تبدأ بتمييز أعمال العقل وبتطبيق الوصايا بدقة وقوة .أما المرحلة الثالثة فيصلها المتوحد مسنوداً من النعمة وبحسب قدرته على الجهاد وتطبيق الوصايا والتغلب على الأهواء ،فيجتاز إلى حيازة البر والقداسة ويكون بالتالي قد أدرك المشاهدة الروحية)).أكيدا نجد هنا تأثير اسحق النينوي ومراحله الثلاث :المرحلة الجسدية والمرحلة النفسية والمرحلة الروحية .

وسائل البلوغ إلى الحالة الكاملة :
يذكر شمعون بعض السبل العملية للبلوغ إلى المشاهدة الروحية ،منها تثقيف الذات ،وقراءة الكتب المقدسة ،والقيام بممارسات تقوية والتمرين اليومي والاستنارة ،إلى درجة أن المتوحد لا يمكن أن يرى شيئا ما من دون أن يتأمل فيه ويكشف فيه عناية الله .هكذا يسمو ويرتقي سريا إلى السماويات .يقول: ((إذا الألوهية فينا وبها يقوم كل شيء ويتأله كل شيء ويتكامل ويضيء ،وإن الله بفضل صلاحه المطلق يعمل كل شيء ويوحد كل شيء ...وتسميه الكتب المقدسة:صالحاً ،محباً ،عليماً ،باراً ،نوراً ،ساطعاً ،مشرقاً ،كلمة ،حياة .وإذا احترقنا حباً بالذي أحبنا وواضع نفسه إلى درجة مسكنتنا ،رفعنا من التراب إلى الروح بفضل اندماجنا في الألوهية ....لقد أعطانا بتواضعه الدالة رحمة منه حتى نعرف وندرك بأن كياننا إلهي وأننا مخلوقون على صورة الله ومثاله)).

وصايا ونصائح عملية للنمو الروحي :
يقدم شمعون في مقالته عن القامات المتميزة للحياة الروحية سبع وصايا :
1-إن الجهاد الأول الذي يشكل نقطة الانطلاق هو بكل بساطة الطاعة لكل ما يطلب منا .
2-والثاني هو تغيير عاداتنا وطباعنا وأساليبنا وأحكامنا ،والخروج من اللاطبيعي إلى الطبيعي .
3-والثالث يكمن في المواعظة على التغلب على الأهواء ،من خلال ممارسة الوصايا حتى يبقى القلب مكسورا ،متواضعا ومطهرا .
4-والرابع يقوم على ترك كل تشويش ،والبدء بعمل التمييز ،من خلال الأعمال الخارجية فيتواصل العقل إلى درس وفهم القوى الخفية العاملة في الكائنات السماوية ،وفحص معنى الكتب المقدسة حتى تنفتح أعين العقل على كمال معرفة عناية الله واهتمامه بكل شيء .
5-والخامس هو تأمل العقل في الأمور الروحية والارتقاء فيها .
6-والسادس يقوم على دراسة الأسرار الإلهية وفهمها .
7-والسابع يهيء العقل لعمل سر النعمة فيتخطى دائرة الكلام شيئا فشيئا لتستنفده المحبة الإلهية .
((هكذا أعلم إننا بقدر ما تلهينا محبة السيرة _ويسميها السيرة الملائكية _التي نلتزمها ،بقدر ذلك ننضج في المحبة ،ونتذوق الطعم الخفي الذي فيها )).وفي حديثه عن محبة السيرة يستشهد بقول غريغوريوس ((إن الأفكار تنبع من الأحشاء ،ومنها يصعد الشوق إلى القلب ثم إلى العقل على شكل غاز)).لقد قاس القدامى قوى النفس بتركيبة الجسد :العقل ،الكبد ،القلب ،المعدة ، الكلى ،ويعدونها مصادر قوى النفس يقول احودامه : ((الحس هو في العقل والتمييز في القلب والرغبة في المعدة والشهوة في الكلى والغضب في الكبد )).كما يقدم عدة نصائح عملية للارتقاء الروحي:
- من يهمل الصلاة ويفكر بوجود باب آخر للتوبة هو عش للشيطان .
- من لا يواظب على قراءة الكتب(المقدسة)يسير من دون دليل ولا يعي أنه يخطأ.
- من ينقطع عن الطعام والشراب ويخفي حقداً وأفكاراً شريرة ضد أخيه هو أداة للشيطان .والقلب المتواضع منفتح تلقائياً للرحمة)).
- من يكون منذ البداية غير حار وغير صبور لن يصل إلى كمال المعرفة .
- من لا يصير طفلا في مسيرته ،لن يبلغ إلى ملء كمال الرجل البالغ في المسيح (أفسس 4 _13 ).
إن الروح القدس يرتب ويعرض القامات المختلفة (أفسس4 _13 ب)لنمو الإنسان الباطني كما هي الحال بالنسبة إلى نمو الإنسان الخارجي :الأول ثمرة الإرادة والثاني ثمرة الطبيعة ،من له الفضائل ينمو ومن لا يحفظ قلبه ولسانه فصومه وسهره وزهده عبث.

المذابح الثلاثة :
رمز المذابح الثلاثة للمعرفة مقتبس من أفغريوس (KG4,88) ونجده أيضا في شرح باباي الكبير لمئويات أفغريوس .تضم هذه المذابح في شرح شمعون سر أيام الجمعة العظيمة وسبت النور وأحد القيامة.الأول يمثل المتوحد الطاهر الذي يعيش في الفضيلة والثاني النفس التي تصلي المزامير وتثابر على قراءة الكتب المقدسة ،والثالث العمل في سبيل الله كالصدقة وزيارة المرضى واستضافة الغرباء وإكساء العراة .الأول يرمز إلى معرفة الأعمال ومنبعه تطبيق الوصايا.والثاني معرفة الأفكار ويعبر عنه بالتسابيح والتمجيدات .والثالث معرفة الرجاء: ((فبالرجاء الكامل نقترب إلى المذبح الحي أي المسيح رجاتنا وربنا)).يقول شمعون: ((إن التأمل فيها يغمر القلب فرحا وتعزية خفية .وعذوبتها تبتلعنا بحيث لا ينفك الفكر يتأمل فيها حتى حينما نصلي .إذ ذاك ليس انطلاقا من خيرات الآخرين ننادي:قدوس (اشعيا6 _3 )،بل بفضل الخيرات التي يفيضها الروح القدس في ذهننا العاري.وعلى هذا المذبح البسيط وحده ،الذي هو يسوع المسيح ربنا وإلهنا (يوحنا20 _28 ) وبواسطته نقدم للآب الذي أرسله ثمار صلواتنا عطرا يفوح من لدننا )).ويقارن بين فاعلية نور الشمس ونور الإيمان في موضوع المشاهدة: ((على ضوء الشمس نشاهد حقيقة الأشياء ،وعلى ضوء الإيمان نرى حقيقة الأمور الروحية الحاضرة والمقبلة والحقائق الممجدة للعالم الجديد وسر الثالوث الأقدس ،وكما هي حال ضوء الشمس للعيون الجسدية ،هكذا حال نور الإيمان للمعرفة الروحية)).

طرق الصلاة :
يدعو شمعون المتوحّد إلى العيش في الصلاة الدائمة ،صلاة الروح التي تحول قلبه إلى سكنى الله: ((إن الصلاة ليست علماً يُدرّس ولا مجرد معرفة أو كلمات ،إنما الصلاة إخلاء العقل وتسكيت الفكر بعيدا عن الحواس والعوائق .إنها تكون في الهدوء والسكون فإذا رغبت في الصلاة إعمد إلى الرفع عن هامتك كل هموم العالم وأمجاده وأباطيله وأمسك بيديك بشدة أبناءك الأعزاء_أعني ذكرياتك الجيدة والخبيثة _وارخ كل ما كان وما يكون ،واصعد بفكرك العاري إلى الصليب وأعبر إلى الألم الجديد الخالي من كل هذا وقف للصلاة بسلام إن صلاة المحبة نبع لا يمكن أن ينضب ،يروي النفس بالسلام والفرح)).
ويوجه نصيحة رائعة في شأن الصلاة ليس إلى الراهب المتوحّد فحسب بل إلى المؤمن الاعتيادي أيضا:
((عندما ترد الصلاة بسرعة كالمعتاد أبعد عنك أولا كل فكر (دنيوي )وكل عائق واعتبار وكأنك لست في الحياة الدنيا وانزع عن نفسك كل هم وأدخل إلى صومعتك أي إلى ذاتك وسر بمعونة الله على درب الصلاة .خذ الكتاب المقدس واقرأ حتى لا يشرد فكرك ،واقترب صامتاً من الصليب وسبّح وتضرع كما تعلمت ثم اعكف من جديد على القراءة وصلّ واقفا تعلم هذه الأمور بانتظام من كتب الآباء (الروحيين)الذين ألفوها بشأن العيش في الصومعة .وعندما يحين وقت الصلاة ،صلّ من دون طيش وبالطريقة نفسها إقرأ وتضرع .إن القراءة تضع فيك الحمية .وعندما تعمل هذا يوماً بعد يوم ،يضيء ذهنك في الصلاة وتستذوق طعم الكتب وتنتقل إلى المحبة التي تفرح بكل شيء)).

تكريس الصومعة :
يكتب شمعون خطابا في تكريس الصومعة ،موًٍَِجها إلى راهب قرر مغادرة الدير للعيش وحده في الصومعة .
يقول في المقدمة : (( إننا اليوم مدعوون ،أيها الاخوة المغبوطون ،أحّباء المسيح ،إلى عرس أخينا الروحي الذي غادرنا ليعيش في الصومعة . لقد تضرعنا إلى الرب من أجله من السماء وحتى الصباح في السهر وتلاوة الصلوات الفرضية والأدعية والتراتيل الروحية ... ولنعرض على أخينا هذا بعض إرشادات عملية مفيدة لحياة الصومعة ،حتى بموجبها يتقدم في المسيرة الروحية )) .
في القسم الأول يتكلم الكاتب عن التقلبات الداخلية التي سوف تواجه المتوحّد الذي ينبغي أن يكون في حالة استنفار لطوارئ الحالة الجديدة . ويستشهد بقول لمكاريوس : (( إن المتوحّد سوف يواجه في خلوته في الصومعة تقلبات داخلية تشبه تقلبات الجو ( الطقس ) . فسيصادف أحياناً سحباً وغيوماً داكنة تتكاثف داخل قلبه ،فتظلم النفس كما تلبد الغيوم الداكنة الجو . ثم يتغير الجو ويعود القلب إلى صفائه وفرحه كما يعود الجو إلى صفائه بشروق الشمس ))  . وهذا التغلب يتم بذكر مستمر لله في القلب ومن خلال طهارة النفس وصفائها والممارسات الجسدية التقشفية .
ويعدد بعض هذه الممارسات :
((الصوم والسهر في الليل للصلاة والسجود والرقاد على الأرض وكبح الشهوات والابتعاد عن المعارف )).
ويقدم برنامجا يوميا منسقا بين أوقات الصلاة السبعة  ،والاسترشاد لدى الأب الروحي  . هدفه هو تقديم ذاته ((ذبيحة حية لله )) ،ليتقدس بالروح القدس ،كما تتقدس الأواني الاعتيادية لتستعمل في الطقوس . يقول: ((عليك أن تعمل من أجل تقديس الجسد والنفس في السيرة الإلهية ،وتقترب يوما بعد يوم إلى الله ،وتضع لحياتك وسيرتك أساساً مختلفاً (عن السابق ) ،عليه يتجدد جسدك ونفسك ويتقدسان بالروح القدس من خلال الصلوات والتسابيح ... وتقترب من المسيح الذي اختارك وفرزك من العالم ،وجعلك تعيش هذه السيرة الملائكية ))  .
أما الجزء الثاني فيتكلم عن حسنات عيش الإنسان الباطني المستمر وذلك من خلال الصلاة والتغلب على الأهواء ،والتمسك بالرجاء الوطيد ،والثقة بالنعمة الإلهية . ويؤكد مرارا على الإنسان الباطني ،مستشهدا بالرسالة إلى رومية (7 _ 22 ) وافسس   (3_16 ).
هذا مجمل روحانية شمعون دطيبوثه ،وهي تعكس روحانية اسلافه ،وقد ساعدتهم على العيش في الروح وبخبرة صوفية عميقة ... واليوم وسط عالمنا المضطرب والمنهك فب الماديات ،يحتاج كا منا إلى العودة إلى ذاته ،لاكتشاف معنى وجوده ومستقبله ،وليعيش خبرة صوفية منفردة !

نصوص مختارة
مقالة في تكريس الصومعة :
اليوم ،نحن مدعوون أيها الاخوة المغبوطون ،محبّو المسيح ،إلى عرس أخينا الروحي ،هذا الذي غادرنا إلى الصومعة للعيش في الخلوة .وقد أمضينا الوقت من المساء حتى الصباح في الصلاة إلى الله من أجله ،من خلال رتبة السهرة وصلاة الطقس والتضرعات وتراتيل روحية ،لنتضرع الآن إلى المسيح الرب كي يقوّيه ويحفظه ويجدده ويقدسه كاملاً بإرادته ،على مثال أولئك الآباء الذين اشتهروا بسلوكهم الهاديء في الصومعة ،بصلاة قديسيه إلى أبد الدهور .آمين .
كما تعلّمنا واستلمنا من آبائنا الرائعين الذين عاشوا حياة الصومعة ،وقاوموا الهجمات العنيفة ،وتحملوا العذابات والتجارب .إن كانت من الطبيعة أومن الشياطين ،واشتهروا بمحاربتهم الأهواء والرغبات ،وبمعونة الله خلصوا حياتهم بنقاء وصفاء حتى النهاية ونالوا إكليلاً مضاعفاً (2 تيموثاوس 4/7 _8 )،نقترح عليك يا أخانا بعض نصائح مفيدة لحياة الصومعة كي تستطيع أن تسلك على ضوئها سلوكا روحيا (رقم1 ،2 ).
أيها الأخ الحبيب ،في بداية حياتك في الصومعة ،اسع في اكتساب طيبة الروح التي هي التشبه بالله (لوقا6/36 )فقد جاء في الكتاب: ((إن عينيك أطهر من أن تطيقا النظر إلى الشر ))(حبقوق 1/13 )،فإذا كانت لك عين طاهرة ،فلن تحسد ،ولا ترى ضعف الآخرين ،ولا تدين القريب .ثم اسع في الحصول على الهدوء والتواضع والتفاضل ،فبها تطبق تحمل العنف وتحصل على الإيمان البسيط ومحبة من دون إيذاء أحد ،وتحصل على رجاء في الله وطرق جميلة وعادات ثابتة ومواقف مسالمة ،بعيدا عن الخصومات ،والطاعة والعمل الدائم والحرص في كل فعل تقوم به .
ومنذ أن تبدأ حياتك في الصومعة ،اسعَ في تغيير العادات الطبيعية التي نشأت عليها بحياة جديدة ،أي تُبدل العمل بالعمل ،والمعرفة بالمعرفة ،والرجاء بالرجاء ،ومحبة الدنيا بمحبة العالم الآتي ،والفرح بالأشياء المنظورة بالفرح بالأشياء الروحية ،والعزاء بالعزاء ،والرحمة بالرحمة بحسب روح الوصايا الجديدة: ((أحبوا أعداءكم (متى5/24 )،وباركوا لاعنيكم (لوقا6/28 ) إلخ...فالطبيعة الضعيفة الميالة إلى الضلال لا تتمكن من اكتساب هذه الأمور والحفاظ عليها بتناغم حين تكون مع الكثيرين ،في حين أن السبل غير الطبيعة تتحرك بسهولة في السير الطبيعية السابقة ،بعيدا عن الجميع في الهدوء والألفة مع إنساننا الباطني (رومية7/22 ؛أفسس 3/16 )ولفترة طويلة ،لأننا نبحث عن شيء غير موجود في طبيعتنا ،فقدناه بمخالفتنا الوصية مع أبينا آدم وقد وجدناه في المسيح أبينا الثاني .
ثم أيها الأخ الحبيب في الرب ،عندما تكون جالساً في صومعتك ،إفحص تحركات النعمة القائمة فيك ،ولدى تأملك في القراءة (الكتاب المقدس )إنفصل عن الأعمال اليدوية ،وتفرغ لتمجيد الله لأن النعمة بدأت تجذبك إليه ،وعندما تُسر بأعمال الإهتداء من صلاة الطقس والإبتهال والقراءة والتأمل الروحي ،إنتبه إلى ذاتك .فالنعمة بدأت تعمل فيك بأسرارها الخفية .وفي وسط الصلاة أو الفرض أو القراءة ،عندما يلهب قلبك حب المسيح ،تكون عطية الله ،هكذا قد منعت حتى التذكير بالأفكار ،وإذ ذاك كن يقظاً تجاه أذى الشرير .
(مترجمة عن طبعة بيتيولو ص134 _135 _139 _163 ،164 ،166 .

 
من موسوعة قنشرين للآباء والقديسين
Print
Send to friend
Edit
Back
طباعة
أرسل لصديق
تعديل
عودة
 

 

 
 
         
         
         
   

Qenshrin.com
Qenshrin.net
All Right reserved @ Qenshrin 2003-2015