قنشرين - القديسون الشهداء الخمس في 13 كانون الأول Head

 

 

الاسم :القديسون الشهداء الخمس في 13 كانون الأول الولادة: - الوفاة: 305 القرن: القرن الرابع
 

القديسون الشهداء أفستراتيوس وافكسنديوس وأفجانيوس ومرداريوس وأوريستوس


عاش هؤلاء القدّيسون الخمسة واستشهدوا في أرمينيا. وقد بذلوا دماءهم تمسكاً بالإيمان بالرب يسوع المسيح في زمن الإمبراطورين الرومانيين ذيوكليسيانوس ومكسيميانوس حوالي العام 305 ‏للميلاد.

‏أما أفستراتيوس فكان من مدينة تدعى أروراكا، لكنه سكن في مدينة ‏ساتالا. كان ينتمي إلى الأرستقراطية وكان لامعاً. شغل مناصب هامة في المدينة وكان مسيحياً، لكنه لم يكن قد جاهر بمسيحيته إلى ذلك الوقت. أسبابه تبقى ملكاً له. ربما لم تكن ساعته قد جاءت بعد. فلما حمل الحكام بضراوة على المسيحيين وجرى القبض على عدد منهم في ساتالا حيث ضُربوا وعُذِّبوا وسجنوا، صدمت أفستراتيوس جهادات المعترفين المباركة فاشتهى، هو أيضاً، أن يكون له نصيب في الشهادة لاسم الرب يسوع. لكن كانت الشجاعة تنقصه وخشي أن تخور عزيمته تحت وطأة التعذيب متى حلّت ‏الساعة. كان بحاجة لعلامة، لتثبيت، لعون القائل: "بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً". وإذ راودته شتى الأفكار خطر بباله أن يستطلع مشيئة الله على النحو التالي: أوفد أحد خدّامه حاملاً السير خاصته، وهو علامة رفعته، إلى الكنيسة وأوصاه أن يضعه على المذبح ثم يتنحى جانباً ويلاحظ من يأتي أولاً ويأخذه. وقد جعل أفستراتيوس في قلبه أنه إذا كان هذا الإنسان أفكسنديوس الكاهن تكون هذه علامة من الله أنه يدعوه إلى الشهادة.

وبالفعل تمّم الخادم ما طلبه منه سيِّده وعاد إليه قائلاً: "هو أفكسنديوس الكاهن!" فتشدّد أفستراتيوس وزال من أفق نفسه كل أثر للخوف والتردّد. لم يفكّر للحظة أن ما حدث حدث بالصدفة. والرب الإله ثبّت عزمه. من تلك الساعة أخذ يعدّ العدّة للدخول في ساحة الجهاد. ماذا فعل؟ أعدّ مأدبة فاخرة دعا إليها أقرباءه وأصدقاءه، وفي أثنائها أعلن لهم بفرح كبير أنه على وشك أن يتلقى كنزاً لا يبلى. لا هو أفصح، كما يبدو، ولا المدعوون فهموا ولو تظاهروا، من باب اللياقة، بمشاركته الفرح.
‏وحلّ اليوم التالي.

‏كان ليسياس، آمر المدينة، مزمعاً أن يوقف السجناء المسيحيّين أمامه ‏ليحاكمهم. فما أن فُتحت الجلسة حتى تقدّم أفستراتيوس وأعلن أنه مسيحي، ثم طلب الانضمام إلى مصف الموقوفين. فبدا ليسياس للحظات كأنه أُخذ على غفلة وارتبك، لاسيما وأفستراتيوس معروف جداً في قومه، لكنه سرعان ما تمّلك نفسه واستعاد المبادرة ليأمر الجند بتجريد المعترف من إشارات مهامه الرسمية وتعريته وجلده قبل استجوابه. وبعدما فعلوا علّقوه بالحبال فوق جمر النار وأشبعوه ضرباً وحشياً. كل هذا وأفستراتيوس غير مبال بما أنزلوه به، كأننا بالتعذيب كان يطال آخراً سواه ولا يطاله. وعلى غير ما كان متوقعاً، وجّه القدّيس كلامه إلى الحاكم شاكراً معلناً أنه "الآن علمت أني هيكل الله والروح القدس ساكن فيّ!" فاغتاظ ليسياس وأمر بفرك جراحه بالملح والخل ففعلوا فلم يُجدِهم الإمعان في التعذيب نفعاً، لا بل قيل إنه ما أن حلّ المساء حتى التأمت جراح رجل الله التئاماً عجيباً.

‏وفيما كان أفستراتيوس في خضم الجهاد بجانب سائر المعترفين اهتزت نفس أفجانيوس الضابط فيه لعذاباتهم فطفر نحو الحاكم طلب الانضمام إلى الموقوفين لأنه هو أيضاً مسيحي.
‏وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً.

‏في صبيحة اليوم التالي، أخرج الجنود الموقوفين من السجن واقتادوهم سيراً على الأقدام إلى مدينة نيقوبوليس. وإذ رغب ليسياس في أن يسخر من أفستراتيوس، "أكرمه" بأن جعل في رجليه حذاء مزروعاً بالمسامير.

يومان مضنيان قضاهما المجاهدون في سيرهما إلى نيقوبوليس. وفي الطريق إلى هناك. كان لا بدّ للمشاة وآسريهم أن يمّروا بأروراكا، مسقط رأس أفستراتيوس، فتعرّف على هذا الأخير مواطن له اسمه مرداريوس فاعتراه الذهول لمنظره واهتزّت نفسه فيه لأنه أكبر فعلة هذا الرجل وتخلّيه عن مجد العالم ومتعته. وإذ تحرّكت الغيرة على الإيمان في نفسه وزكّتها زوجته قرّر، لتوّه، الالتحاق بتلامذة المسيح هؤلاء المساقين إلى الموت. الفرصة الآن لاحت، كيف يفوّتها؟! فقام للحال وودّع امرأته وقبّل ابنتيه الصغيرتين ووكل عائلته إلى واحد من معارفه الطيّبين، ثم أسرع فانضم إلى قافلة الشهداء.
‏وأُوقف المجاهدون أمام الحاكم من جديد.

‏كان أول الماثلين أفكسنديوس الكاهن. سؤل سؤالاً أو اثنين، ثم اقتيد إلى غابة منعزلة. هناك عمد جلاّدوه إلى قطع رأسه، ثم أخفوا الرأس بين الشجر الكثيف وطرحوا الجسد طعمة للحيوانات المفترسة. لكن بعض المسيحيّين الأتقياء تسلّلوا إلى هناك فأخذوا الجسد وبحثوا عن الرأس فدلّهم عليه أحد الغربان فالتقطوه وانصرفوا.

‏بعد أفكسنديوس كان دور مرداريوس. لم يكن لمرداريوس غير جواب واحد على كل الأسئلة الموجّهة إليه: "أنا مسيحي!" فأمر الحاكم بتثبيت يديه ورجليه بأوتاد إلى خشبة وقلبت الخشبة فصار رأسه متجهاً إلى أسفل ورجلاه إلى أعلى، وأشار بضربه حتى الموت بقضبان معدنية محمّاة. وقبل أن يلفظ الشهيد أنفاسه الأخيرة، خرجت من فمه، على ما قيل، صلاة ما زالت كنيستنا تردّدها إلى اليوم في خدمة نصف الليل والساعة الثالثة وصلاة النوم الكبرى.

والصلاة هي التالية:
‏"أيها السيد الإله الآب الضابط الكل، والرب الابن الوحيد يسوع المسيح والروح القدس، اللاهوت الواحد والقوة الواحدة، ارحمني أنا الخاطئ، وبأحكام تعلم بها خلّصني أنا عبدك غير المستحق، فإنك مبارك إلى دهر الداهرين، آمين".
‏ثم بعد مرداريوس أوقف أفجانيوس.

‏تكلم أفجانيوس بلهجة ثابتة واثقة فازداد الحاكم حقداً واشتد حماقة ‏وغيظاً. فأوعز إلى جنده بقطع لسانه وبتر يديه ففعلوا. أما بقية جسده فأوسعوها ضرباًَ وحطموا عظامه بقضبان من حديد، واستمروا كذلك إلى أن ‏أسلم الشهيد نفسه قرباناً بين يدي الله الحيّ.

‏عند هذا الحد من الوحشية والتفظيع خرج ليسياس الحاكم إلى العسكر ‏ليقف على سير تدريباته. فحدث أن مجنّداً حديثاً اسمه أوريستوس، صلباً، حسن المنظر وقوراً، استرعى انتباهه. وإذ أخذ المجنّد رمحه بان في صدره صليب خرج من تحت قميصه فلاحظه ليسياس وسأله عنه فاعترف بجرأة ولم ينكر أنه تلميذ للمسيح، فأُوقف للحال. ولما لم يشأ الحاكم الاستمرار في عمليات تعذيب الموقوفين خشية إثارة حفيظة المسيحيين بعدما شعر بأنهم ‏كثر في المدينة أمر بسوق أفستراتيوس وأوريستوس إلى سباسطيا المعروفة بشهدائها الأربعين ليمثلا أمام حاكمها أغريقولاوس.
‏استغرق الوصول إلى سباسطيا خمسة أيّام.

‏دخل أفستراتيوس في نقاش مع الحاكم بعدما أتاح له فرصة الكلام، فعبّر له عن عقم الأوثان وبطلان الفلسفة، وكلّمه عن الله، خالق السماء؟ والأرض، وعنايته بالناس منذ البدء، وعن الرب يسوع المسيح. فارتبك الحاكم لأنه لم يكن لديه ما يجيب به. وإذ فشل في فرض هيبته بالإقناع شاء أن يفرضها بما أوتي من سلطان فقال للموقوف أن عليه أن يمتثل لأمر قيصر ويقدّم العبادة لآلهة قيصر وإلا استأهل الموت، فلم يذعن أفستراتيوس له. فاغتاظ الحاكم لكنه لم يشأ للحال إنزال عقوبة الموت به، ربما لأنه عرف أنه من الأرستقراطية ورغب في استعادته بالتخويف. لهذا السبب أمر بتمديد أوريستوس على سرير حديدي محرق. إزاء تسارع الأحداث، اضطربت نفس المجنّد فشجّعه أفستراتيوس وثبّته، فأسلم أوريستوس الله أمره واستودعه روحه.

‏أما أفستراتيوس فألقي في السجن إلى اليوم التالي علّه يتراجع. وقد ذكر أن القديس بلاسيوس، أسقف سبسطيا، المعيّد له في11 ‏شباط، تمكّن من التسلل إلى داخل السجن حيث قابل أفستراتيوس وعزّاه وشجّعه وأقام الخدمة الإلهية وناوله. كما ذكر أن نوراً ساطعاً ملأ المكان وصوتاً نادى أفستراتيوس قائلاً له: "لقد جاهدت الجهاد الحسن فتعال الآن خذ الإكليل!". وثمة صلاة قيل إن أفستراتيوس نطق بها تلك الليلة في سجنه وما زالت تتردّد عندنا إلى اليوم في صلاة نصف الليل في السبوت. وقد جاء فيها: "أيها الرب إني أعظّمك تعظيماً لأنك نظرت إلى تواضعي ولم تحبسني في أيدي الأعداء بل خلّصت من الشدائد نفسي. والآن أيها السيّد، لتسترني يدك ولتأتِ عليّ رحمتك، فإن نفسي قد انزعجت، وهي حزينة عند خروجها من هذا الجسد الدنس الشقي، لئلا تلتقيها وتعيقها مشيئة المعاند الرديئة من أجل الخطايا التي اجترمتها في هذا العمر بمعرفة وغباوة. فكن لي غافراً أيها السيّد ولا تسمح أن تبصر نفسي منظر الشياطين الأشرار المدلهّم المظلم، بل فليتسلّمها ملائكتك البهجون المنيرون.

أعطِ مجداً لاسمك القدّوس وأصعدني بقوّتك إلى عرشك الإلهي. وفي وقت مداينتي لا تدركني يد أركون هذا العالم وتجتذبني أنا الخاطئ إلى عمق الجحيم، بل اعضدني وكن لي مخلصاً ونصيراً، فإن هذه العقوبات الجسدية إنما هي مسرّات لعبيدك. ارحم يا رب نفسي التي قد تدنّست بأهواء هذا العمر، وتقبّلها نقيّة بالتوبة والاعتراف، فإنك مبارك إلى دهر الداهرين، آمين".
‏هذا وقد قضى القديس أفستراتيوس في آتون محمّى. باركه ودخل إليه على غرار الفتية الثلاثة القدّيسين.

‏بعد ذلك تمّ جمع رفات القديسين الخمسة معاً. وقيل إن القديس فلاسيوس ‏هو الذي فعل ذلك وجعلها في أروراكا. ثم جرى نقلها إلى القسطنطينية حيث أودعت كنيسة على اسم الرفقاء الخمسة. وذُكر أنه كثيراً ما شوهد الخمسة
أحياء في تلك الكنيسة. كما ذُُكر أن الرفات أُخذت، فيما بعد، إلى روما ووضعت في كنيسة القديس أبوليناريوس. وقد حفظت الذاكرة أنه كانت للخمسة، في وقت من الأوقات، كنيسة على اسمهم في جزيرة خيوس. فحدث في فصل من فصول الشتاء القاسية، في يوم عيدهم، أن أهل الجزيرة أخفقوا في الوصول إلى الكنيسة بسبب وجودها في مكان معزول. وحده كاهن تقي توجّه إلى هناك وأصرّ على إقامة الخدمة الإلهية ولو منفرداً. فجأة ظهر له خمسة رجال على شبه القدّيسين الخمسة، أصحاب العيد، كما بدوا في الإيقونة خاصتهم. هؤلاء أخذوا أمكنتهم حيث يقف المرتّلون في الكنيسة، عادة، وبدأوا ينشدون ترنيمات العيد بصوت جميل واضح. فلما بلغوا قراءة ‏سيرة الشهداء، أخذ أحدهم، أوريستوس، الكتاب ووقف في وسط الكنيسة وبدأ يقرأ.

فلما بلغ الموضع الذي يعرض لاضطرابه هو أمام السرير المعدني المحمّى بالنار الذي كان الجلادون على وشك تمديده عليه غيّر في النص قليلاً. فبدل أن يقول عن نفسه"... خاف واضطرب "قرأ"... ابتسم". للحال قاطعه ‏‏أفستراتيوس بلهجة قاسية وسأله أن يقرأ النص كما هو. فاحمّر خجلاً وأردف قائلاً "... خاف واضطرب". وبعد أن تمّم الخمسة الخدمة أقفلوا الكتب وأطفئوا الشموع وتواروا بنفس الطريقة التي ظهروا فيها.


طروبارية باللحن الرابع
شهداؤُك يا رب بجهادهم، نالوا منكَ الأكاليل غير البالية يا إلهنا، لأنهم أحرزوا قوَّتكَ فحطموا المغتصبين، وسحقوا بأسَ الشياطينَ التي لا قوَّة لها. فبتوسلاتهم أيها المسيح الإله خلصْ نفوسنا.

قنداق باللحن الثاني
لقد ظهرتَ يا لابسَ الجهاد، كوكباً ساطعاً جداً، للجالسين في ظلمة الغباوة، ولما تحصنتَ بالإيمان مثل الدرع، لم ترهبْ من جسارة المعاندين، بما أنك يا أفستراتيوس أَفصح الخطباء.

تعيد لهم الكنيسة الأرثوذكسية في 13 كانون الأول من كل عام

 
من موسوعة قنشرين للآباء والقديسين
Print
Send to friend
Edit
Back
طباعة
أرسل لصديق
تعديل
عودة
 

 

 
 
         
         
         
   

Qenshrin.com
Qenshrin.net
All Right reserved @ Qenshrin 2003-2015