نشأته ولد حوالي عام 315 م بقرية Besanduk بجوار مدينة اليوتروبوليس Eleutheropolis بفلسطين من والدين يهوديين. توفي والده وترك معه أخت فقامت بتربيته في حياة تقوية. حدث وهو سائر في الطريق أنه أبصر فقيرًا يطلب صدقة من أحد الرهبان، وإذ لم يكن مع هذا الراهب مالاً خلع ثوبه وقدمه للفقير. رأى أبيفانيوس كأن حلة بيضاء نزلت من السماء على ذلك الراهب عوض الثوب، فتعجب من ذلك، وانطلق إلى الراهب يسأله عن إيمانه وحياته. التقى به أكثر من مرة وقبل الإيمان المسيحي واعتمد، كما اشتاق إلى الحياة الرهبانية. أرسله الأسقف إلى دير القديس لوقيانوس وتتلمذ على يدي القديس إيلاريون (هيلاريون)، وقد تنبأ عنه معلمه أنه سيكون أسقفًا . حياته الديرية في مصر لكي يتهيأ لدراسة الكتاب المقدس تعلم العبرية والقبطية والسريانية واليونانية واللاتينية، لذا دعاه القديس جيروم: "صاحب الخمسة ألسنة". وإذ كان محبًا لحياة النسك والتأمل ترك فلسطين إلى مصر حوالي عام 335 م، ليلتقي بمجموعة من النُساك والرهبان قبل اعتزاله في دير بالإسكندرية. إذ شعر بعض الغنوسيين بقدراته ومواهبه واشتياقاته أرادوا كسبه فأرسلوا إليه بعض النساء الزانيات ينصبن له فخاخًا، لكنه بنعمة الله لم يسقط فيها، من هنا ندرك السبب الذي لأجله كرّس طاقاته للرد على الهراطقة، أيا كانوا ومقاومتهم أينما وجدوا . سيامته كاهنًا التقى بالقديس أنبا أنطونيوس وتتلمذ على يديه فترة من الوقت، ليعود من مصر إلى فلسطين وينشئ ديرًا في اليوتروبوليس تحت إرشاده لمدة حوالي 30 عامًا، وكان حازمًا جدًا مع نفسه، حتى إذ سأله أحد تلاميذه كيف يحتمل هذا النسك الذي يفوق قوته، أجابه: "الله لا يهب ملكوت السموات ما لم نجاهد، وكل ما نحتمله لا يتناسب مع الإكليل الذي نجاهد من أجله". بجانب نسكياته الشديدة القاسية وعبادته التي لا تنقطع كرس وقتًا لدراسة كتب العلامة أوريجينوس، وإذ لاحظ أخطاءه انقلب ضده بعنف شديد حتى حسبه رأس كل بدعة في الكنيسة، وصار له دوره الفعّال في إثارة الكثيرين ضد أوريجينوس، بل استطاع فيما بعد أن يغير اتجاه القديس جيروم من عاشق لأوريجينوس بكونه عطية الله للكنيسة إلى مقاوم عنيف له بكونه شيطانًا ضد الحق. إذ شعر أسقف المدينة بدور القديس أبيفانيوس لا بين الرهبان فحسب وإنما وسط الشعب الذي التفّ حوله يطلب إرشاداته وبركته، سامه كاهنًا لكي تزداد المنفعة به على مستوى كل الكنيسة في المدينة. التقى أيضًا بالقديس إيلاريون (هيلاريون) الذي تنسك في مايوما بفلسطين، وتكونت صداقة عظيمة حتى ترك إيلاريون المنطقة بسبب تجمهر الناس حوله. سيامته أسقفًا يبدو أن القديس هيلاريون الناسك عندما هرب إلى قبرص من جمهرة الناس حوله، جاء إليه الأساقفة والكهنة مع الشعب بقبرص يطلبون بركته فتحدث معهم عن القديس أبيفانيوس وحياته النسكية وفضائله مع عمله وغيرته على الإيمان المستقيم . وإذ تنيح أسقف سلاميس بجزيرة قبرص، أكبر كرسي في الجزيرة في ذلك الحين، اُنتخب أبيفانيوس أسقفًا وسيم بغير إرادته عام 367 م، وقد بقى أمينًا في خدمته لمدينته الأولى يفتقدها من وقت إلى آخر. حبه الشديد للفقراء اتسم القديس أبيفانيوس بغيرته الشديدة وحزمه بخصوص الإيمان المستقيم مع حب شديد فائق للفقراء، حتى لم يكن يترك في الأسقفية أحيانًا شيئا قط... ومع ذلك فقد كان الله يرسل له الكثير جدًا ليوزعه. منحته الأرملة القديسة أولمبياس أراضٍ ومالاً لهذا الغرض... ولعل محبته للفقراء قد نبعت عن أنها هي علة قبوله الإيمان المسيحي كما رأينا. قيل أن تلميذه طلب منه مرة أن يضع حدًا لهذا العطاء، إذ لم يعد معهما شيء، وإذ انتهى التلميذ من حديثه تقدم إنسان غريب وقدم كيسًا به ذهب سلمه للأسقف واختفى في الحال. جاء في سيرته أن أحد المخادعين جاء يسأله صدقة لتكفين صديقه الذي مات، فأعطاه المال، وهو يقول له: "اعتن به يا ابني بدفن هذا المسكين ولا تضيع الوقت في البكاء عليه، فإن رفيقك لا يقيمه بكاؤك، وليس له دواء إلا الصبر. أخذ الطمّاع المال وذهب لصديقه ليقيمه فوجده قد مات حقا!! تحركاته الكثيرة كان كثير الحركة، يحمل روح التقوى والنسك والغيرة على الإيمان أينما وُجد. قام برحله عام 376 م إلى إنطاكية ليسعى لتوبة الأسقف فيتاليس الذي تبع أبوليناريوس، وبعد 6 أعوام اصطحب القديس بولينوس أسقف إنطاكية إلى روما ليحضرا مجمعًا عقده الأسقف داماسيوس. لقد أقاما في بيت الأرملة باولا صديقة القديس جيروم والتى استضافها القديس أبيفانيوس بعد ثلاثة أعوام وهي في الطريق إلى فلسطين لتلحق بأبيها الروحي القديس جيروم. في عام 392 م نزل أيضًا ضيفًا على القديس يوحنا أسقف أورشليم، وفيما هو في استضافته إذ وقف يتكلم في الكنيسة التي للقبر المقدس، هاجم مستضيفه لأنه متعاطف مع أتباع أوريجينوس. انضم إليه جيروم في بيت لحم الذي رده عن حبه لأوريجينوس إلى مضاداته، وصارا يهاجمان الأسقف يوحنا بعنف... غير أنه يبدو أنه قد تصالح أخيرًا مع القديس يوحنا. دخل أيضًا في صراع شديد مع القديس يوحنا الذهبي الفم بالقسطنطينية لأنه قبل الإخوة الطوال الذين جاءوا من مصر وهم أتباع أوريجينوس، الهاربين من اضطهاد البابا ثاوفيلس الإسكندري بسبب تعلقهم بأوريجينوس. تنيح القديس أبيفانيوس في طريق عودته من القسطنطينية إلى قبرص حوالي عام 403 م. صارت له شهرته بسبب كتاباته. تذكره الكنيسة في يوم نياحته 17 بشنس، وفي نقل جسده 28 بشنس. كتاباته وأفكاره كان القديس أبيفانيوس مقاومًا للتفسير الرمزي للكتاب المقدس، حاسبًا أن المبالغة في الرمزية هي أساس كل هرطقة، وقد قاوم الرمزية بكل طاقاته في شخص العلامة أوريجينوس، (سنتحدث عن الرمزية بمشيئة الله أثناء عرضنا لسيرة العلامة أوريجينوس). كان أيضًا من مقاومي الأيقونات، وقد كتب ثلاثة مقالات ضد الأيقونات. أما أهم كتاباته فهي: 1. Ancoratus (الإنسان ذو المرساة الثابتة) يحوي تعليم الكنيسة عن الثالوث القدوس مقاومًا الأريوسيين، وعن حقيقة التجسد مقاومًا أبوليناريوس الذي أنكر وجود نفس بشرية للسيد المسيح، وعن قيامة الجسد، وعن إله العهد القديم مقاومًا أتباع ماني ومرقيون رافضي العهد القديم، كما حث على بذل كل الطاقة ليقبل الوثنيون الإيمان خلال عمل الله معهم. 2. أهم كتاب له هو "ضد الهرطقات Panarion (Adv. Hear.)" فإذ قرأ الأرشمندريتان أكاكيوس وبولس كتابه الأول طلبا منه تحليلاً مفصلاً عن الهرطقات الثمانين والرد عليها. ضم بين الهرطقات 20 هرطقة قبل المسيحية مثل المدارس الفلسفية الهيلينية. 3. كتب "الأوزان والمقاييس" لكاهن فارسي، هو أشبه بقاموس بدائي للكتاب المقدس، فيه يعالج قانون العهد القديم وترجماته، وأوزان الكتاب ومكاييله، وجغرافية فلسطين. 4. "الاثنا عشر حجرًا كريمًا" التي على صدرية رئيس الكهنة في العهد القديم. كتبه عام 394 م كطلب ديؤور الطرسوسي. يقدم فيه تفسيرًا رمزيًا للحجارة الكريمة، ويصف عملها الطبي. ويعنى بها الاثنى عشر سبطًا لإسرائيل. 5. رسائله، من بينهما رسالة للقديس يوحنا أسقف أورشليم، وأخرى للقديس جيروم، كلاهما ضد الأوريجانية. من كلماته : روى لنا الأسقف القديس أبيفانيوس أن بعض الغربان كانت تطير حول معبد سيرابيس في حضرة الطوباوي أثناسيوس، وكانت تنعق بلا انقطاع (كراك، كراك Cow). وإذ كان بعض الوثنيين واقفين أمام الطوباوي أثناسيوس، قالوا له: "أيها الشيخ الشرير أخبرنا بماذا تنعق هذه الغربان؟". أجابهم "إنها تقول كراك Cow التي تعني باللاتينية غدًا" ثم أضاف: "غدًا ترون مجد الله" وفي اليوم التالي وصل نبأ موت الإمبراطور يوليان... الكنعانية تصرخ فيُسمع لها (مت 15)، ونازفة الدم تصمت فتُطوب (لو 8)، بينما الفريسي يتكلم فيُدان (مت 9)، والعشار لا يفتح فاه فيُسمع له (لو 18). قراءة الكتاب المقدس أمان عظيم ضد الخطية. الجهل بالكتب المقدسة هاوية عميقة وهوة عظيمة. الله يبيع البر بثمن بخس للغاية للذين يريدون أن يشتروه: بقطعة خبز صغيرة، بثوب وضيع، بكأس ماء بارد، بفلس واحد!
|